الشنطي بين خطورة الهدف التعليمي وفكره النقدي أمل القثامي
|
الشنطي قمة عرفت واكتشفت، ولعل مداد الاكتشاف يتموضع في أبعاد متنوعة ومتباينة أبرزها كشاهد حالي هو تخصيص هذا الملف الثقافي عنه، وعن مسيرته العلمية الأدبية، ودعوة الكثير من المثقفين للكتابة فيه، وتكريمه من قبل مؤسسات ثقافية متعددة. جاء كزاوية من الزوايا. وكل هذا هو نتاج عطاء استمرار ثلاث وعشرين سنة سكبها من خبرته الثقافية في أقداح التعليم والثقافة فقد كان همه وهدفه الأول من عطاءاته كما يبدو لي هو تعليم الناشئة، وبناؤهم بناء قويا، ولاسيما الطالب الجامعي، فكان من الطبيعي أن يكون نتاجه متساوقا مع هدفه (التعليمي) إن لم يكن قد طغى عليه فعلا.
فجل مؤلفاته بدأ ب(فن التحرير العربي)، ومرورا ب(المهارات اللغوية) وسلسلة الأدب العربي.. عصوره وفنونه، تفصح عن ذلك الهدف. فمؤلفاته في اغلبها مادة تعليمية تعريفية تنهج نحو تقديم المعلومة الميسرة والفكرة البسيطة التي تكون للطالب خلفية ثقافية، لكنها مؤطرة ومحصورة في نطاق ما يعالج المؤلف من قضايا ليس إلا.
وقد صرح الشنطي بهدفه التعليمي في مواقع متشعبة في مقدمات كتبه.
والهدف التعليمي في تأليف الكتب عادة ما يعتمد صاحبه على تقديم خلاصات موجزة لقضية ما مع إرفاق جملة من الأمثلة تفسر ما يناقشه في هذه القضية مبتعدا قدر ما يمكنه عن البحث والتمحيص والتشعب الذي يستلزم من الطالب كد الذهن، وإن انتهج الشنطي هذا المنهج في سلسلة من مؤلفاته إلا أن ما يميز إنتاجه في هذا الجانب عن غيره من المؤلفين سمة ذاتية تكمن في اختياراته للنصوص، وتحليلاته، وطريقة عرضه فهو يمتلك ذائقة نقدية عميقة وواعية تلتقط بحساسية الأديب جماليات النص، وتبين أسرار الفكر فيه، ولمعان ما وراء أستار رؤيا النص، وتلك ميزة نادرة في مثل هذه الكتب التعريفية مما أعطاها قيمة جمالية وفنية ورفعها عن مصاف من نهج هذا النهج، لكنها ورغم هذا تفتح باب السؤال: لم لجأ الشنطي إلى تجميع الأدب الحديث (شعره ونثره) كمثال في كتاب واحد وبصورة مختصرة؟!
هل كما قال هو في مقدمة كتابه (من أجل الطالب الجامعي) الذي يصعب عليه الرجوع للمراجع المتعددة في هذا المجال!! فيزداد التساؤل عمقا لهذا الرد!! أو يعجز طالب في المستوى الجامعي عن الرجوع لمراجع تتحدث عن أدبه وشعرائه إذا ما قيس السؤال والجواب على كتاب الأدب السعودي!! سأترك الإجابة تحوم. لنعرف إلى أي مدى لمس الشنطي ضعف طلابنا!!
إن الشنطي رجل علم وضع الطالب الجامعي وكيفية تبسيط المعلومة له أمام فكره وبدأ يخط هدفه الإنتاجي وفق هذا التفكير والتصوير، فكان ظالما لفكره وعقله إذ تخلى عن ذائقته النقدية في كثير من كتبه واعتمد على تلميم القضايا الأدبية والنقدية التي تفيد طالب الجامعة. واكتفى بممارسة ذائقته عبر ما تمليه عليه القضايا. فاختياراته تابعة لمادته التعليمية.
ولو أنه اتجه في إنتاجه لموضوع نقدي أو نظرية ما وعمق دراسته فيها، مستندا على ما يمتلكه من وعي نقدي وذائقة تحليلية، لكان هذا أجدى في الوصول إلى نتاج أكثر ظهورا واعم فائدة لحركة الثقافة الآنية، ولو شاهدنا صنيعه في كتاب (القصة القصيرة المعاصرة في المملكة العربية السعودية) لوجدنا شخصيته النقدية حاضرة بداخله، فهو أعمق بكثير في طرحه من كتبه الأخرى ذات النهج التعليمي رغم انه يعد من مؤلفاته الأولى (1406هـ) إلا أن هدفه لم يكن تعليميا مطلقا فلم يخص به فئة معينة فجاء في منهجيته عميقا ومرناً سد به ثغرة واضحة في الدراسات السردية ذلك الوقت. ولاسيما إن علمنا أن الشنطي في ذات الكتاب أحس بخطورة تكرار المادة فتجنب في تحليلاته ما درسه من قصص في كتابه السابق لهذا الكتاب (متابعات أدبية) مما أضفى عليه نوعا من الشمولية والتجديد مع بروز ذائقته النقدية ولهذا ما لم يتبعه في كتاب الأدب السعودي إذ جاء على النهج التعليمي فقصر في اعطاء الصورة الشاملة لحركة هذا الأدب شعرا ونثرا، ولو أنه قصر اهتمامه بالشعر واتجاهاته في هذا الكتاب ولم يعرض للجانب السردي من قصة ورواية لكن ذلك أعمق وأفضل في تتبع تلونات هذا الأدب السريعة وتشكلات مدارسه ولاسيما في الآونة الأخيرة التي رافقت صدور الكتاب. فمحاولته للجمع بين الفنون الشعرية والنثرية في كتاب واحد فيه نوع من هضم حق الشعر المتشعب في دولة كالمملكة متعددة المناطق وكثيرة الاتجاهات إذ إنه افرد سابقا للفنون السردية كتبا مستقلة فمن المنطق أن يجمع ما كتبه عن القصة والرواية في هذا الكتاب (الأدب السعودي) ويدرجهما في تلك الكتب المستقلة بنوعها حين إعادة طباعتها أو يجعل لها كتابا مستقلا كجزء ثان لسلسلة السرد وبذلك تكون دراسته أجود مادة وأكثر جدية. ومع كل ما قلته يظل الشنطي قمة عرفت واكتشفت.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|