الشنطي ذات مساء محمد الحمد
|
ذات مساء يعبق بالوفاء أضاءت سيرة الدكتور محمد صالح الشنطي شواطئ عروس البحر الأحمر جدة. كوكبة من أهل الفكر والثقافة والأدب يتصدرهم معالي وزير الثقافة الأستاذ إياد أمين مدني غصت بهم قاعة فندق وستن بجدة في حفل يختال كبرياء مع بساطته.. تظهر بساطته بتلقائية اللقاء منذ بدايته حتى نهايته وحميمية الجلسة وأريحية التواصل، ويستمد كبرياءه من روح المبادرة بالوفاء التي سنتها وزارة الثقافة والإعلام مشكورة بعد أن عودتنا أجواء المشهد الثقافي والإعلامي على تكريم الأموات وتجاهل الأحياء! كما يستمد كبرياءه كذلك من فيض المحبة الغامرة التي تجلت بوضوح في ذلك المساء من كافة الحاضرين لأستاذنا أبي صالح، تلك المحبة التي فاضت سلسبيلا عذبا من أفواه المتحدثين، فقد أخذ (المايكرفون) يتنقل بزهو بين الحضور ليدلي كل منهم بدلوه حول مواقف الدكتور المفعمة بالإنسانية والذوق، والمليئة بالعلم والأدب. كل ذلك وهو يطرق خجلا وينظر إلى المتحدثين بامتنان، حتى ختمت الجلسة بحديثه الجميل عن وطنه وأهله المملكة العربية السعودية، فكان حديثا مؤثرا بكل ما تعنيه الكلمة وخاصة لمن يشعر بمرارة افتقاده. حديث يمتلئ صدقا ممن أجزم يقينا أنه لا يعرف التملق ولا ينتهج المجاملة إلا بما يمليه عليه ذوقه الرفيع في التعامل مع الآخرين. ذلك الحديث الجميل الذي ختمت به تلك الاحتفالية الرائعة لم يكن غريبا على من عرفه وعرف تعلقه بالمملكة العربية السعودية وبمدينة حائل على وجه الخصوص، وهي التي خصها بذكره الطيب وثنائه الجميل عليها وعلى أهلها، وقد تخللت عباراته تأوهات الحسرة وأنات الفراق وهو يتحدث عنها في ليلة الوداع تلك. الأستاذ الدكتور محمد الشنطي عندما يتحدث تتدفق الكلمات على لسانه بتلقائية وعذوبة وفصاحة قلما يتلعثم أو يتردد لينتقي الألفاظ أو يجهد في ترتيب العبارة فهي تنساب بسلاسة أخاذة وتتجاذب العبارات وتتوالى الأفكار بترابط أكثر تماسكا و تتابع أظهر تسلسلا، فلا تكاد تلحظ تعثر الكلمات على لسانه إلا عندما تختنق حروفه بالحزن والحسرة والألم إذا تحدث عن أوضاع أهله أهل فلسطين المحتلة، أو عن المشاهد المأساوية في أي مكان من هذا العالم، أو عندما يكون في مثل هذا الموقف المؤثر. لا يختلف هذا المستوى الراقي من الحديث عند أبي صالح مهما تغيرت المواقف ومهما اختلف المتلقي فهذه سمة حديثه في المنابر الثقافية وفي قاعات المحاضرات وفي جلساته الخاصة وهو يتحدث مع البسطاء من الناس بنفس السمة، حتى أنني أظن أنه يتحدث بهذا الأسلوب مع أسرته في بيته.
ولعل أبرز ما يميز الدكتور الشنطي تلك الرؤية الشمولية التي تتعاطى مع كافة الأفكار، وتتقبل كل الآراء، وتتعامل مع الفكر والثقافة والأدب باتزان وثقة وحيادية وتجرد، يستوعب الجميع، ويمكن أن يختلف مع الكثيرين ولكنه يحافظ باقتدار على قدر كبير من التواصل والتواد والاحترام. هذه الصفة الفريدة وهذا المنهج الفذ الذي يتمتع به ويحرص على المحافظة عليه بإنسانيته العالية، جعل هواة التصنيف والمولعين بإطلاق الصفات المعادية للثقافة والمحاربة لفكر الاختلاف والحوار الحقيقي يقفون حيارى أمام عظمة هذه القامة الثقافية الأدبية الشاهقة. وليس أدل على محبة الجميع له من هذا التفاعل اللامسبوق في توديع هذا الرجل الذي يتفق الجميع على أن مشهدنا الثقافي أول الخاسرين برحيله.
فهنيئا لك يا أبا صالح على هذه المحبة التي لا أشك بأنك تستحق أكثر منها.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|