شهادة طالب أدب عبد الله الصيخان
|
بيد وجلة.. وخطى نصف مرتبكة قدمت أوراقي على أستاذي، تلك الأوراق التي كانت تضم محاولاتي الأولى في الكتابة تفتقر إلى النضج وتطمح إلى التوجيه قبل الإشادة. قبلها.. كان ثمة إشارات شجعت الفتى على أن يفعل ما فعل.. فتحقيق العلامة الكاملة في مادتي القواعد والتعبير كان صعب المنال في زمان المدرسين الكبار الذين أتوا يحملون شرف الرسالة ووعي المهمة.. ومحمد الشنطي كان واحدا من تلك النخبة التعليمية الفلسطينية التي حظيت بها تبوك. ولعله أو لعلهم كانوا يختارون أن يعملوا في المناطق الشمالية من بلادنا لقربها من القلب ومن الدار السليبة والعائلة والجذور. كان ذلك عام 1392هـ، وقبل أن تبدأ جامعاتنا في ضخ الدم الوطني إلى حجيرات القلب البعيدة في أطراف الوطن. لنعد إلى الحكاية من أولها.. بعد أسبوع أعاد الأستاذ إلى تلميذه دفتره الذي ضم قصائده الأولى، وعلى هامشه كلمات فيها من النصح والتوجيه ما يشي بروح الوالد الحريص على مستقبل ابنه.. وذلك ما كان يحتاجه التلميذ أكثر من حاجته إلى كلمات الإطراء والإشادة. في حصص الأستاذ كان الفصل يسبح في بحر من الهدوء والأمان في حين كانت الحصص الأخرى مجالا فسيحا لبعض المدرسين لينالوا من الطلبة المقصرين بالكلام دون العصا (فالعصا كانت حكرا على أيدي المدير والوكيل والمراقب).. ويبدو أن شخصية أستاذنا (الحيية) كانت تضفي بروحها على أجواء الفصل؛ فلم نسمع منه تأنيبا لطالب مقصر في أداء واجباته أو لوما لأحدهم على درجة متدنية في اختبار شهري، ولكن رغم كل ذلك كان الأستاذ يحظى بتقدير الجميع.. بعدها بسنوات ارتحلت إلى الرياض، وعملت محررا في مجلة اليمامة، وفي صفحاتها الثقافية التي كان يشرف عليها الزميلان القديران محمد علوان وعبدالكريم العودة، وقد اقترحت دعوة الأستاذ محمد الشنطي إلى الكتابة والمشاركة في الحقل الثقافي، ولبى الأستاذ الدعوة. وبدأت مقالاته الأولى تظهر وتصنع قارئها الخاص وتجسد تميزه الأدبي في تلك القراءات النقدية التي يقدمها متناولا فيها الأعمال الإبداعية التي تنشرها الصفحات الثقافية في اليمامة في أعداد سابقة، وكان لي الشرف أن تكون قصائدي الأولى مجالا لدراسة نقدية قدمها ونشرتها اليمامة، وضمتها دفتا أحد كتبه النقدية. ولعل ذلك كان أول المطر، فقد تتالت مساهماته النقدية والأدبية لتتناول مشهدنا الأدبي بمسرحه وقصصه وقصائده، وليكون بذلك أحد أهم الأسماء النقدية التي تعاملت مع منجزنا الأدبي بروح الناقد الصادق، ليحقق بذلك إضافة جادة للمشهد الأدبي. وأكاد أقول إن أستاذي يرى بعض قراءاته النقدية وقد أوحت لنقاد آخرين بصنع نظرياتهم النقدية دون الإحالة إلى جذور الرؤية فيزهو في شخصه شنفري العرب مرددا:
أقسم جسمي في جسوم كثيرة | وأحسو قراح الماء والماء بارد |
تبوك غرة شعبان 1427هـ
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|