رجل ذو وفاء! عبدالفتاح أبومدين
|
* في الأيام الأولى من شهر رجب 1427هـ، احتفل معالي وزير الثقافة والإعلام الأستاذ إياد بن أمين مدني في جدة، برجل خليق بالتقدير والتكريم، ذلك أنه قدم الكثير من الدراسات الأدبية والبحثية لنتائج لفيف من المثقفين السعوديين، من خلال عمله في كلية التربية بحائل، كما شارك في الكثير من الملتقيات الثقافية في ساحتنا المختلفة في هذه القارة (المملكة العربية السعودية) مدة بلغت ثلاثة عقود، وألّف وطبع نحو عشرين كتابا كلها كانت تصب في شؤون الأدب في بلادنا. وإذا قلت إن الدكتور محمد صالح الشنطي كان دؤوبا جاداً مخلصاً في دراساته وبحوثه، وأنه كان وفياً لهذا الوطن الذي أقام فيه تلك السنوات من زهرة الشباب، وأنه لم يكن ليمنّ بما أنجز وقدم من دراسات، ولا كان يتطلع إلى إضاءات واحتفاليات لقاء ما قام به عبر تلك الحقبة غير القصيرة، وإنما كان يعمل فيما يشبه الصمت.. وإذا قلت إن دأب هذا الرجل الوفي، مرده التقدير الذي عاشه وهو يؤدي رسالة الدرس لأفواج من طلبته في حائل، الذين أحبوه، ووفّى لهم بجد وإخلاص، فكان ثمن ذلك حبا ووفاء وتقديراً..
* وقد التقيت بهذا الرجل الكريم مرات في حائل خلال سعيي إلى هناك في زيارات ومشاركات في ناديه الأدبي، وسعيت إلى دار أبي صالح، ذلك أن الرجل الكريم الطبع يتعامل معك بلا تكلف ولا بهرج، وإنما الرابط هو الوداد والتقدير.. وكان الدكتور الشنطي على خلق عال وأدب نفس وذا أدب درس واع جيد.. وهذا الخلق الذي تحلى به الرجل جعله يعيش في ساحة العراك النقدي يمسك قلماً يتوافر لدى الكثيرين من أدبائنا ومثقفينا ومن عاش بيننا من مثقفي الوطن العربي، الذين حلوا في بلادنا معلمين في التعليم العام والجامعي.. إذا قيس الدكتور الشنطي على أنماط ممن عرفنا، فإنه يأتي في مقدمة الملتزمين بأدب النفس، ولم أر ولم أسمع منه من خلال مشاركاته في نشاطاتنا الثقافية على منابر الأندية الأدبية، ولا من خلال كتاباته في صحفنا، ولا ما يكتب أو ما كتب عنه من نقد يرقى في بعض الأحيان إلى حد التهجم إلا كل جميل.. ولن أنسى أن النادي الأدبي الثقافي بجدة، وكان يسمى النادي العصي والمنبر الحاد المتوقد.. دعا النادي الدكتور الشنطي في وقت غير بعيد، وذلك لحضور تحاور حول أحد مؤلفاته الذي درس فيه نماذج من أدب هذا الوطن.. وجاء الرجل مشكوراً، وأكبر الظن أن في ذهنه أنه سيسمع بعض ما يكره، لأنه مدرك أن منبر هذا النادي شرس، في وقت اعتذر فيه بعض من دعوا لقراءة إنتاجهم خشية أن ينالهم شطط الدارسين من ألسنتهم الحداد.. غير أن صاحبنا كان بحق صبوراً ملتزماً بخلق الكبار، وكان في إمكانه أن ينفعل ويغضب، ويمكن أن تصل الحال إلى مغادرة الملتقى الملتهب، غير أن الرجل كان ذا خلق تغلب على الهجوم، وهو يسمع بعض الشواظ، وبعد ذلك، أخذ يرد على المثنين والقادحين بهدوء وأدب نفس، وأنا الذي أحسب في هذا الملتقى كمحايد، فقد أشفقت على صاحبي مما وجه به من احتدام بلغ حد العنف، ولكن الدكتور الشنطي كان كبيراً وعلى خلق عال قلما يتحلى به الكثيرون ممن يهاجمون من خلال إنتاجهم الأدبي في معرض النقد والتحاور والأخذ والعطاء.. لقد كثر محبو الدكتور محمد صالح الشنطي، رأيتهم في تكريم معالي وزير الثقافة والإعلام، متحدثين بإطراء وتقدير وشكر لهذا الوفاء الذي قلما رأيناه ممن حل في بلادنا مشاركين وعاملين.. وفي حائل احتفي بالرجل بما يليق به على نحو كبير تثميناً لوفائه وإخلاصه واهتمامه بأدب هذا الوطن وأدبائه عن رضا واحتفاء ومروءة.. وأعود لأشيد باللفتة الكريمة من رجل ذي حس وبعد نظر الأستاذ إياد مدني، الذي ما أن علم بما قدم الدكتور الشنطي من جهد لدراسة أنماط من ثقافتنا، وعمل على هذه الأرض ثلاثين سنة ثم عاد إلى وطنه؛ أبي راعي الثقافة إلا أن يدعو هذا الوفاء ويبلغ سفارتنا في الأردن لمنحه تأشيرة زيارة لوزارة الثقافة والإعلام، ليحتفي به وسط كوكبة من مثقفي هذا الوطن في فندق راق على شاطئي جدة، الهوى والحب.. وإذا كان أستاذنا الكبير محمد حسين زيدان رحمه الله، يردد أن المدينة تربتها غزلة، فإن (جدة) تربتها حب ووفاء ومروءة وإيثار، فالحب سجية وليس تكلفاً ومنة، وإنما عطاء النفوس الأثيرة الشفافة، يخرج منها هذا الأريج النسريني الودود.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|