نعم، خرج منتخبنا الوطني من دورة الخليج العربي السادسة والعشرين بخفي حنين، وبخسارة من المنتخبين البحريني والعماني، اللذين تأهلا إلى النهائي وبفوزين على منتخبي اليمن والعراق اللذين ودعا البطولة من دور المجموعات ومنتخبنا سجَّل في هذه البطولة ثمانية أهداف واستقبلت شباكه نفس العدد من الأهداف.
هذه الأرقام الغريبة المتباينة لم تأت من باب الصدفة، بل تدل على عشوائية في العمل في رسم إستراتيجية واضحة للمنتخب الوطني في مشاركاته في كافة البطولات ومنها هذه المشاركة الخليجية من حيث الخيارات الفنية وتحديد الهدف من كل مشاركة، وامتداداً للعشوائية التي بدأت منذ نهاية المشاركة في نهائيات كأس العالم 2022 ورحيل رينارد المفاجئ، ثم اختيار متأخر وغير موفق لمانشيني، والذي تدهور المنتخب على يده مما دفعنا إلى الاستنجاد مجدداً برينارد، لعله يصلح ما أفسده مانشيني، وبكل صراحة وتحمّل للمسؤولية كنت ممن طالبوا بعودة رينارد وراهنت على نجاحه، ولكن النتائج معه بعد عودته كانت مخيِّبة للآمال وأرقام الكوتش المنقذ لم تكن أفضل من سابقه.
وإذا كان الإعلام شريكاً في النجاح فهو شريك في الإخفاق، فمعظمنا كان يرى العيب في مانشيني، وأن استبداله برينارد هو طوق النجاة، ولكن الحال لم يتغيَّر وتشخيصنا لم يكن صائباً، وعلينا أن نفتش عن مواطن الخلل ونشخّصها ونحلها بطرق احترافية تعالج الخلل بعيداً عن البحث عن كبش فداء نضحي به لامتصاص غضب الإعلام الرياضي والمدرج الأخضر.
المنتخب الوطني منذ سنتين يلعب بدون هوية واضحة ومن دون تنظيم داخل الملعب، واللاعبون اختفت جودتهم لأسباب فنية تتمثَّل في تغيير المدارس التدريبية عليهم بفترة زمنية قصيرة والضغط الإعلامي الكبير الذي يعيشونه من قبل الإعلام الرياضي والجماهير ناهيك عن التجاوزات الكبيرة التي تحدث لهم من فئة متعصبة تقحم لاعبي المنتخب بتداعيات التنافس المحلي وتتمادى في ذلك من دون أن تجد من يردعها ويحمي اللاعبين الدوليين منهم. اللاعبون السعوديون الدوليون قادرون على تقديم أفضل المستويات وتحقيق المنجزات بأي جهاز فني كان متى ما زُرعت فيهم الثقة وتم دعمهم إعلامياً وجماهيرياً، فقد حققنا بطولات الأمم الآسيوية والعربية ودورة الخليج العربي والتأهل لنهائيات كأس العالم بمدربين عاديين لأن الجميع كان خلف المنتخب بعيداً عن الألوان فتحققت المنجزات، وأما البحث عن كبش فداء كلما حدث إخفاق، فهذا يعني أننا ندور في حلقة مفرغة ولا نشخّص الخلل ونقدم الحلول لمعالجته.
الخلل الأكبر يكمن في التعصب الرياضي الذي طال المنتخب الوطني ووقع أثره على جميع اللاعبين الدوليين. وهناك خلل فني يمكن معالجته متى ما حمينا اللاعبين من كل التجاوزات والإسقاطات التي تحدث بحقهم، ولن أقول لرئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ارحل، ولأمين الاتحاد ترجّل، ولكن أطالبهما ومجلس إدارة الاتحاد بعمل واضح يعالج كل معضلة تحد من ظهور الأخضر بمستواه المعروف عنه كبطل لآسيا هزم بطل العالم منتخب الأرجنتين في مونديال العالم 2022 وتعيد الصقور الخضر لمكانهم الطبيعي.
بالمختصر المفيد
- عند الإخفاق يجب أن يتحمَّل الجميع المسؤولية مثلما تجيّر المنجزات للجميع فتحميل عنصر أو أكثر مسؤولية خسارة المباراة لن يخدم المنتخب في الاستحقاقات القادمة، ولعل أهمها مباراتا منتخبنا في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026 مع منتخبي الصين واليابان في شهر مارس القادم والتي على ضوئها سيتحدَّد مستقبل المنتخب وحظوظه في هذه التصفيات.
- التصحيح يجب أن يبدأ من اليوم بوضع إستراتيجيات طويلة المدى لمنتخبات الفئات السنية وتوحيد مدارس التدريب لجميع المنتخبات بما فيها المنتخب الأول والعمل على تصعيد اللاعبين من فئة إلى الفئة التي تليها ومعهم مدربهم حتى يصلوا إلى المنتخب الأول بوضعية تتزامن مع استقرار عناصري وفني.
- مدرب المنتخب الإسباني الحالي لويس دي لا فوينتي الذي فاز مع المنتخب الإسباني ببطولة اليورو 24 ، درب منتخبات إسبانيا تحت 18 سنة، ثم تحت21 ، ثم تحت 23 ، ثم درب المنتخب الإسباني الأول، وحقق منجزات كبيرة معها جميعاً وكان آخرها الفوز مع المنتخب الإسباني الأول ببطولة القارة الأوروبية، وعلينا البحث عن مدرب من هذه العينة من المدربين، ولماذا لا يكون هو نفسه يتم التعاقد معه بعد نهاية التصفيات ليكون مشرفاً على كل منتخبات الفئات السنية السعودية ومدرباً للمنتخب السعودي الأول مع منحه الصلاحيات الكاملة لبناء منتخب وطني قوي.
- أكدت في مقالات سابقة على أنه يجب الفصل بين ميول النادي ومؤازرة المنتخب الوطني، وأن يتم النظر للمنتخب الوطني من منطلق وطني بعيداً عن تداعيات التنافس المحلي، وأتمنى أن يستوعب الجميع أهمية ذلك ويكون داعماً للمنتخب الوطني في الاستحقاقات القادمة.
والله الموفِّق.
** **
- محمد المديفر
X: @mohdalimod