ترسم خيالاتنا الخصبة مع كل وزير تربية قادم صوراً فائقة الجمال لما ستكون عليه مدارسنا التي تحتضن أبناءنا وبناتنا فلذات أكبادنا بعد إصلاحات الوزير المنتظرة على أحر من الجمر. نكبر الصورة وكأننا نلمح تلك المدارس وقد تحوّلت من سجون للعقول وقيود للحريات والقدرات والميول، إلى ساحات رحبة ينطلق الأبناء في فضاءاتها الواسعة للتعلم المعتمد على القدرات الذاتية لا قدرات المعلم، وعلى صناعة الأفكار لا تلقيها جاهزة معلبة يتناقلها الطلاب جيلاً بعد جيل، وعلى الإبداع والابتكار لا النقل والاستنساخ.
يقفز خيالنا إلى تلك النوعية من مدارس المستقبل بنموذجها المبتكر متعدد المستويات. مدارس تستمد رسالتها من الإيمان بأنّ قدرة المجتمعات على النهوض وتحقيق التنمية الشاملة يعتمد على جودة إعداد بنائها التربوي والتعليمي، وتعد المتعلمين فيها لحياة عملية ناجحة بتركيزها على المهارات الأساسية والعصرية والعقلية بما يخدم الجانب التربوي، وتسعى لتفجير طاقات الطلاب لعمل مبدع خلاق، وتلك النوعية من مدارس المستقبل حتى تصل لصياغة مخرجات عالية الجودة بحاجة لقيادات إدارية وتعليمية قادرة على التطوير والتجديد والتعامل مع التقنية الحديثة ومتغيّرات العصر، ولن يكون مثل هذا العمل ميسوراً ما لم تتغير ثقافة العمل داخل المدرسة باتجاه عمل الفريق الواحد بين القيادات والطلاب، والتحرر من أسر خدمة التوجهات المضللة التي تكرّست داخل مدارسنا على مدى ثلاثة عقود من الزمن في محاولة لعزل مجتمعنا عن كافة المجتمعات الإنسانية، وهو عزل قسري لن يأتينا بفوائد تذكر كونه سيحرمنا من الإفادة من تجارب الأمم التي سبقتنا في مضمار السباق الأممي.
تخيل أنّ في مدارسنا من القيادات الإدارية والتعليمية من لا يتعامل حتى اليوم مع الحاسب بل وبعضهم لا يؤمن به، وفي مدارسنا من يسير على روتين واحد من سنوات طويلة يلقي الدرس ثم يخرج من الفصل وكأنه يؤدي مهمة ثقيلة يتمنى التخلص منها في أية لحظة، وهناك من يحضر إلى المدرسة وفكره وقلبه خارجها، ولن أسهب في الكتابة عن غياب المعلمين والمعلمات وتأخراتهم المستمرة وكثرة خروجهم لقضاء مصالحهم حتى تحوّل العمل المدرسي لدى الأكثرية إلى عمل ثانوي يأتي في أسفل قائمة الأولويات، والطامة الكبرى من يحرض الطلاب من المعلمين على الغياب فإذا كان هذا يحدث ممن هم في موقع القدوة فلا تسأل بعد ذلك عن المدرسة وما يجري فيها من مشاغبات وعنف وتكسير وكتابة على الجدران.
في هذه الأجواء الخانقة مل الطلاب من المدرسة فلا تجد طالباً أو طالبة يحب المدرسة بل تحول الصباح إلى هم مزعج للأسر إذ يدفعون أبناءهم للذهاب للمدرسة بالمسايسة أو الإكراه أو القوة. أصبحت المدرسة شبحاً مزعجاً لطلابنا رغم كل المحاولات لتحويلها لبيئة جاذبة ومحببة للتلاميذ. في الوقت الذي يذهب الطلاب في الشرق والغرب لمدارسهم بكل همة ونشاط وتطلع لمستقبل مشرق نجد لدينا النقيض، حيث الخمول والكسل. في مقطع يوتيوب شاهدت المدارس الذكية في كوريا، مدارس تجعلك تغني يا ليل يا عين من روعتها، وقد غابت الحقائب الثقيلة لتحل بديلاً عنها الألواح الذكية، وطلاب يعتمدون على قدراتهم ويبرزون مهاراتهم، فهل نسعد قريباً بمثل هذه النوعية من المدارس بعد تغيير الفكر القديم الذي يدير مدارسنا حالياً ؟