لازلت عند رأيي أن مخالب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” ضعيفة وتحتاج لتقوية مستمرة أن أريد لها تحقيق ماتطمح إليه القيادة ويتطلع إليه المجتمع من قضاء تام على الفساد بتجفيف منابعه أياً كان نوعها.
قبل أيام دار جدل حول تصريح لمعالي رئيس الهيئة عن ممارسات الرشوة واستغلال السلطة والتصرف بالمال العام وعلاقة هذه الأفعال بالفساد، ورغم أن الهيئة قد أكدت في تعقيبات لها أن تلك المكونات الثلاثة ومنها الرشوة تحديدا تمثل فسادا مقصودا إلا أن هذه التجاذبات تؤكد أن الهيئة التي دشنت قبل فترة عامين لازالت تقف إلى اليوم عند حد التعاريف والاتفاق مع المجتمع على مصطلحات معرفة في الدين الإسلامي قبل قرون.
الرشوة والمحسوبية والواسطة والاختلاس أو السرقة وغيرها أفعال لاتقرها الأديان ولا حتى العادات والتقاليد ولا نحتاج لكل هذا الوقت الطويل كي نقف عندها، ويكون هم نزاهة فقط التوعية وتنظيم ورش العمل والمحاضرات وإنما يجب أن يتعدى ذلك للعمل الميداني وإظهار نتائجه دون تلميع كي يلمس المجتمع فاعلية الجهود على أرض الواقع.
صحيح أن التوعية مطلوبة لكن ليس لكل هذا الوقت الطويل.
الناس علقوا آمالا عريضة عند بدايات تأسيس الهيئة للإطاحة برموز الفساد “الهوامير” أو حتى في أسوأ الأحوال صغارهم أو بمعنى آخر يرقات الفساد.
اليوم يقف الناس بعد مرور وقت طويل على عمل الهيئة ليطرحوا ذات الأسئلة التي تتكرر في كل مجلس عن جدوى الهيئة ومدى قدرتها على الوقوف أمام مد الفساد بكافة أشكاله وصوره، وكيفية إيجاد آليات مرنة للعمل دون ازدواجية مع المؤسسات المتقاطعة معها مثل هيئة الرقابة والتحقيق، وديوان المراقبة العامة، ثم أين دورها في كوارث السيول وانهيار المنشآت، وهل هي قادرة فعلا على مجابهة تلك القوى الشرسة التي تقف خلف الفساد لتشهر بهم وتفضحهم كي يكونوا عبرة لغيرهم، أم أنها تحتاج لضخ دعم أكبر من القيادة العليا، وضخ “أوكسير” ينشط دورتها ويسرع برتمها البطيء؟.
هذه مجمل الأسئلة المطروحة حاليا وربما هناك غيرها. من وجهة نظري أعتقد أن الشفافية مطلوبة في تعاملات الهيئة ، ومن الشفافية التشهير بالمفسدين وكنت أتمنى مثل غيري أن يكون هذا المبدأ من أولويات العمل إلا أن تصريح نائب رئيس الهيئة الدكتور أسامة الربيعة كان صادما حول هذه الجزئية حين أكد بأنه لا حاجة للإعلان عن أسماء الجهات غير المتعاونة مع الهيئة أو المتأخرة والبطيئة في تعاملاتها حول قضايا الفساد المختلفة.
أعتقد أن من لا يتعاون مع الهيئة من الجهات يعد شريكا غير مباشر في الفساد ولا بد بعد اليأس منه كشفه للمجتمع كي تعتبر الجهات الأخرى، أما من يثبت تورطه في الفساد مهما كان حجمه فيجب التشهير به وفضح أمره لأن المسألة هنا تتعلق بوطن ومقدرات دولة. قد يكون للستر إيجابيات لكنه ليس مع من استمرأ الفساد أو مع أصحاب السوابق وإنما مع من دفعه جهله أو قلة وعيه لتجاوز النظام.
لازال لدي نسبة أمل ولو ضئيلة بنجاح الهيئة في مهامها شريطة أن تتحرك صوب الميدان لكشف الخبايا والأسرار في دهاليز المؤسسات والهيئات والتشهير بمن يستحق من غير المتعاونين أو المفسدين.