حين يعتذر -القائد العسكري لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب- قاسم الريمي، في الرسالة المصورة التي نشرت عبر الإنترنت، بأنهم: “يعترفون بالخطأ، والذنب، ونقدم اعتذارنا، وتعازينا لذوي الضحايا.. وكل ما يأمرنا به شرعنا سنقوم به، فنحن دعاة شريعة “، فهو يُظهر - مع الأسف - شيئا من الحق، كالإصلاح، والمطالبة بقتال الكفار؛ ليتوصل من خلال تلك الرسائل إلى حمل السلاح، وإسقاط هيبة الدولة، وإراقة دماء المسلمين. وهذا لا يحدث إلا بتغييب فتاوى العلماء الراسخين في العلم في هذا الباب، وتربية أتباع تنظيم القاعدة على العنف؛ ليخرج علينا برياح اعتذاراته النتنة، التي لا تحتاج إلى إجازة عبور من شرع صحيح، أو منطق سليم.
إن من الأمور التي تساهل فيها تنظيم القاعدة، إراقة دماء المسلمين بشبهة، وبغير شبهة، بعد أن اعتمدوا على العبارات العاطفية، وأسسوا مواقفهم على منهج غير رشيد، وألفاظ متشنجة؛ فتسببوا في مظالم شتى للمسلمين، ووظفوها لصالح أهدافهم الذرائعية، ومن ذلك: تحولهم إلى شبكات إرهابية، وتجارة حرب؛ لتحقيق مصالح قذرة.
هل يشك مسلم، بأن حرمة دم المسلم أعظم عند الله -تعالى- من حرمة الكعبة؟ وأن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل المسلم؟ -لاسيما- وأن كثيرا من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، جعلت القتل قرينة للشرك من حيث الجرم. فإذا كانت الإجابة بالنفي، فما بالهم يعتدون على مستشفى آمن، مصان بصون الشرع، والعرف، فيحرم الاعتداء عليها، أو إيذاء القائمين فيها، أو اتخاذها ملاذا آمنا للأعمال الإرهابية؛ ليجمعوا بين فساد الدين، وخراب الدنيا.
إن عدم الوقوف بوجه دعاوى التكفير، واستباحة الدماء، باعتبارهما مصدرا للفتنة، هما من أهم أسباب ما يحدث اليوم من إراقة الدماء الطاهرة، وإزهاق الأرواح البريئة. ومع أنه مخالف لما أكدت عليه شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- من حرمة دماء المسلمين، وأموالهم، وأعراضهم، فهو -أيضا- لا يزيد الفكر إلا تسطيحا.
“لا يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراما”، هكذا أخبرنا محمد -صلى الله عليه وسلم-. فدم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب أن يُصان، وأن يُغضب لإراقتها، وليس أحد يملك إزهاقها. وهذا المبدأ يجعل من التاريخ تجربة إنسانية؛ من أجل المحافظة على الدماء، والحرمات، والخيرات، عندما يكون في ذلك صون للبلاد، والعباد من انزلاق في مستنقع الفتن.