إن جاز لنا أن نؤرخ إدارياً للإصلاح والتطوير للعقود الربعة الأخيرة استطعنا أن نرصد انطلاقته، وبلورته، وتحديد أطره بتولي خادم الحرمين الشريفين الملك (عبدالله بن عبد العزيز) مقاليد الحكم في هذه البلاد، أما ما سبق ذلك فأعتقد أنها كانت التهيئة، والاستعداد، والدراسة، ومن الطبيعي أن يشوب مراحل التهيئة شيئاً من التداخل، والغموض، والتناقض أحياناً، وتنازع الاختصاصات إذ تعد مرحلة مخاض قد تنتهز فيها بعض الثغرات،
أويساء فهم بعض الأنظمة والأحكام، ونحن مع هذا كله بلد نامٍ، ودولة عصرية حديثة، بنت نفسها بنفسها، اعتماداً على سواعد أبنائها وعزيمتهم بالمقام الأول.
o في السنوات الخمس الأخيرة ارتفعت درجة المطالبة بالإصلاح والمحاسبية، وكانت هذه المطالب هي المتصدرة في الخطاب الإعلامي، والمنابر الثقافية، باختلاف محافلها، ومن الطبيعي في مثل تلك الظروف أن يحاول كل وزير -وتجاوباً مع هذا التوجه- العمل على رفع كفاءة المؤسسة التي يشرف عليها، محاولاً أن تكون على قدر كبير من المهنية في كل خطوة تخطوها.
o لو أخذنا بعض الإحصائيات، أو أجرينا مسحاً سريعاً، ورصدنا كم هم أولئك الوزراء الذين باشروا مهام الوزارة، وحملوا حقائبها في السنوات الخمس الأخيرة. كم عدد المشروعات الكبيرة، أو العملاقة التي باشروا العمل فيها، وتابعوا مراحل تنفيذها واستلامها بصورتها النهائية، وقارنا بكل حيادية بين جودة ما تم تنفيذه خلال هذه الفترة الأخيرة، وبين ما تم العمل فيه، ووضعت مواصفاته ومقايساته قبل هذه الحقبة لربما أدركنا الفرق بين هاتين المرحلتين، لكن للأسف لم نرصد، ولم نحلل، ولم نقارن، لكي نقيّم الواقع، ونحفظ لكل حق حقه من الإنجاز والإتقان والجودة.
o فد نكون من حيث نعلم أو لا نعلم قد حملنا وزراء هذه الحقبة تبعات ووزر من سبقوهم من الوزراء، وراح الكثير يكيل التهم جزافاً، دون استقصاء للواقع، وبالتالي حاكمناهم، وحكمنا عليهم من خلال مشروعات وبرامج وخطط أخفقت لم يكن لهم يد فيها، ومن المؤكد أن وزراء هذه الحقبة يعون جسامة الأخطاء السابقة، ويعرفون كل تفاصيلها، وهم مصيبون كل الإصابة في محاولة تجاوز تلك الإخفاقات، وتجاهل الحديث عنها، ومحاولة استدراك ما يمكن استدراكه وإصلاحه دون المزايدة، والتنصل من تلك الأعمال، أو محاولة رميها على الغير بأي أسلوب. والنظر إلى المستقبل ومواجهة تحدياته أفضل بكثير من اجترار الماضي، وتقليب مواجعه، وبحث عيوبه وزلاته وهفواته.
o صحيح أن البعض منا ساءته بعض المشروعات الكبيرة الحديثة التي كان لها في إجراءات ترسيتها وضعا استثنائيا، ومع ذلك لوحظ بعض العيوب والإهمال والتقصير في متابعتها، وكانت تلك بالفعل مثار استغراب، بل وصدمة كبيرة، في وقت كان المجتمع يتطلع فيه إلى أفضل الممارسات في بنيتها، والمبادرة في إنجازها.
o ما يقال عن تشكيل وزراء هذه المرحلة يمكن أن يقال عن وزارات، وهيئات، وجمعيات استحدثت واستجدت، تبعاً لما يتطلبه الواقع في المملكة العربية السعودية، ومع قصر عمر تلك المؤسسات والهيئات وحداثة عهدها إلا أننا نجد من يطلب منها المستحيل في الإنجازات، وقد يغيب عن البعض أن مراحل التأسيس لأي منشأة كانت، تتطلب مزيداً من الوقت، والجهد، والتنظيم الإداري حتى تستطيع أن تمارس أدوارها بمهنية وكفاءة عالية.
o تحت ضغوط معينة قد تندفع بعض هذه المؤسسات بحماس منقطع النظير، رغبة في الإنجاز، وتحاول رغم ضآلة الإمكانات تحدي بعض العقبات والمشكلات، وتسعى إلى إثبات مكانتها بأي وسيلة، وقد تحقق شيء من أهدافها في مرحلة وجيزة، وبالتالي يظل ذلك الوهج لافتاً للأنظار، وتعقد الآمال الكبيرة عليها، وربما حمّلت لهذه الأسباب جميعاً أكثر مما تستطيع حمله وإنجازه، وتبقى بعض الأقلام لا تدرك الواقع المحيط، فتتناولها بالنقد غير الموضوعي، أو المدرك لكل أبعاد عمل تلك المؤسسات ومهامها واختصاصاتها، وربما قوة النقد أحياناً، أو خروجه عن المسار السليم يسبب شيئاً من الإحباط، أو التردد لبعض تلك المؤسسات، ويوهن من عزيمة القائمين عليها، وعلى النقيض هناك من المسؤولين من يشكل النقد عنده عنصر تحدٍ يدفعه للمزيد من الإنتاجية والتحسين والجودة في الأداء.