تواصلت ردود أفعال المختصين حول مستقبل صناعة البتروكيماويات في الخليج والمملكة وذلك عقب إثارة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان مساعد وزير البترول والثروة المعدنية قضية تحديات الصناعة في ظل التحولات العالمية الاخيرة وقالوا لـ«الجزيرة»: إن حديث سموه حول مستقبل الصناعة الخليجية هو جرس إنذار لدول المنطقة وهو يمثل أيضا خارطة طريق لمستقبل الصناعة خليجيا.
وقال الخبير النفطي الدكتور راشد أبانمي: لا شك أن مستقبل صناعة البتروكيماويات في دول المجلس سيواجه تحدياً بالغ الأهمية دولياً ومحلياً. وكلمة سمو مساعد وزير البترول والثروة المعدنية الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز لم تأت فقط كإستشراف وتحذير يتطلب منا جميعاُ بالاستعداداً لتلك المرحلة، بل جاءت تلك الكلمة بخارطة طريق توضح معالم التأهيل والاستعداد لتلك الصناعة لمواجهة تلك التحديات على أفضل وجه ممكن، كمواجهة تحديين عالميين يتمثلان في المنافسة العالمية الحادّة، والآخر في سياسات الحمائية المتزايدة، وتحديان محليان يتمثلان في صغر حجم أسواق منتجات البتروكيماويات المحلية والإقليمية والآخر في محدودية مساهمة صناعة البتروكيماويات في دول المجلس في تنويع اقتصاداتها المحلية. مؤكداً على حديث سموه بأن تكون صناعة البتروكيماويات، وحكومات المنطقة على يقظة واستعداد لمواجهة هذه التحديات بمرونة وتأهب أمام الاتجاهات المستجدة والتحديات الكبيرة التي يجب أن ننظر إليها كفرص للنجاح الأكبر، وأن لاندعها تيئسنا أو تثنينا وتفشلنا كونها عوائق. التحديات العالمية ومواجهتها وأضاف أبانمي : التحدي العالمي الأول كما بينه مساعد وزير البترول يتمثل في المنافسة المحتدمة عالميا، من خلال المنتجين الجدد، وبمصانع أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، ووفرة في الغاز، وأكثر اعتماداً على التقنية المتقدمة، وأعلى قدرة على الابتكار وبمساعدة من حكوماتها وخصوصاً في آسيا، والتي تسعى إلى مواكبة الطلب المحلي المتزايد على المنتجات البتروكيماوية. ولقد نبه سمو مساعد وزير البترول والثروة المعدنية بأن هذا المستوى من المنافسة العالمية يستوجب على صناعة البتروكيماويات بالمنطقة تحسين كفاءتها أمام تلك المنافسة المحتدمة.
مشيراً إلى أن الابتكار هو عامل رئيس لضمان تنافسية الصناعة، وأنه لا يزال أمام البتروكيماويات الخليجية الكثير من الجهود اللازم بذلها في مجالات البحوث، والتقنية، والابتكار ومن خلال تشجيع الشراكات مع الشركات العالمية والعمل على استمرارها كونها مكوناً رئيساً في إستراتيجية صناعة البتروكيماويات بالمنطقة، حيث يتعين التأكد من توافق عملياتها مع القوانين التجارية الدولية. فهي بحاجة لأن تكون أكثر انسجاماً مع الاتفاقيات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية، من أجل الالتزام بأنظمة وضوابط «جهاز تسوية المنازعات»، وتجنب الدعاوى القضائية ضد نشاطها التصديري، وإنشاء آليات رصد وتحليل تساعد على تفادي تلك الدعاوى القضائية قبل بدئها.
ارتفاع موجة الحمائية يتطلب المزيد من التنسيق
وشدد أبانمي بضرورة وجود تعاون وتنسيق بين الحكومات، والقائمين على صناعة البتروكيماويات، واتحادات المنتجين، كالاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات. كما تتطلب بناء القدرات، وتطوير الخبرات في مجال التعامل مع القضايا التجارية ذات الصلة. وبالنظر إلى حجم الصناعة البتروكيماوية في المنطقة، وخططها الطموحة لتطوير القطاع محلياً وعالمياً، من المهم جداً للحكومات والصناعة أن تعمل مجتمعة على بناء القدرات، وإيجاد أنظمة ومؤسسات تعمل على تحسين أوضاع الصناعة، وحماية مصالحها.
واستطرد قائلاً : هناك تحدٍ عالمي آخر وهو ماتواجهه هذه الصناعة من ارتفاع موجة الحمائية والحواجز التجارية بصورة متعاظمة في كثير من أنحاء العالم وازديادها مع تزايد عدد منتجي البتروكيماويات، وتتمثل في زيادة إجراءات مكافحة الإغراق مؤخراً، التي تستهدف صادرات البتروكيماويات؛ ولقد طرح الأمير عبد العزيز تجربة المملكة ونجاحها الملموس في مواجهة التحدي ذلك باعتبار أن هذه السياسات الحمائية تترك تأثيرات سلبية وعكسية في الصناعتين الإقليمية والعالمية، كازدياد الأسعار على المستهلكين، وانكماش النمو الاقتصادي العالمي، وانخفاض قدرة هذه الصناعة على الإنتاج، والحد من نمو هذه التجارة. واتبعت سياسة حكيمة تجاه ذلك بأن الحواجز الحمائية لن تكون الحل للمشاكل التجارية، وانتهجت منهجاً إيجابياً من خلال مفاوضات دائمة مع شركائها لتطوير علاقات تجارية متينة قائمة على المنفعة المتبادلة والميزة النسبية. منوها ً لضرورة العمل بجدية لتلبية الطلب الراهن، وإيجاد طلب إضافي محلياً وإقليمياً في منطقة الشرق الأوسط على المنتجات البتروكيماوية مما سيمكن هذه الصناعة من تنويع أسواقها، وجعلها أقل عرضة للتقلبات المحتملة في الأسواق العالمية، والتصدي بحزم لبعض الآثار السلبية الناشئة من الحمائية المتزايدة.
التحديات المحلية ومواجهتها
واستعرض أبانمي التحدي المحلي حيث أشار إلى أنه يتمثل في صغر حجم أسواق منتجات البتروكيماويات المحلية والإقليمية وهذا التحدي يجب مقارعته بإيجاد زيادة في الطلب في منطقة الشرق الأوسط، عبر توسعة شبكة التوزيع، وتطوير صناعات محلية مساندة، مع توفير الفرص الوظيفية للمواطنين وزيادة دخولهم والذي يتوقع أن يصل عدد السكان كما أشار إليه مساعد وزير البترول والثروة المعدنية، إلى مستوى ربما يناهز 700 مليون نسمة بحلول 2050م، مما يتطلب جهود ملموسة من جانب الحكومات والصناعة، والعمل على إصلاحات هيكلية لأنظمة التعليم وأسواق العمل في الشرق الأوسط، والتركيز على برامج استحداث الوظائف في دول مجلس التعاون الخليجي وإيجاد فرص عمل لهم.
كما أشار إلى وجود تحدٍ آخر وهو محدودية مساهمة صناعة البتروكيماويات في تنويع اقتصادايات دول المجلس، وتوسيع نطاق التوظيف لآلاف الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنوياً حيث إنها استوعبت عدداً إجمالياً بلغ 1.19 مليون موظف حتى 2011م، وأوجدت ضعف هذا العدد من فرص العمل غير المباشرة في مجال خدماتها ومنتجاتها المساندة. بينما مساهمة صناعة الكيماويات في الخليج وعلى مستوى التوظيف فلا تستوعب صناعة البتروكيماويات أكثر من 80 ألف عامل، يشكلون نحو 6% من إجمالي القوة العاملة في الصناعة التحويلية في دول المجلس أي بنحو 1.5% فقط من قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي في دول المجلس الذي بلغ 8.9%. منوها ًبضرورة العمل على أن تتحول صناعة البتروكيماويات في المنطقة إلى مستوى العمليات والمنتجات النهائية، التي تعد أمراً مهماً لتحقيق المزيد من القيمة المضافة، واستحداث الوظائف، وتنويع القاعدة الاقتصادية. وأن تتبع إستراتيجية تنويع مزدوجة، تقوم على التنويع الرأسي في مراحل سلسلة الصناعات التحويلية وصولاً إلى المنتجات النهائية، والتنويع الأفقي المتمثل في قطاعات الخدمات المساندة، فلا تتجاوز نسبة المنتجات المتخصصة نصف في المائة من إجمالي طاقة صناعة البتروكيماويات من بين 80% من طاقة البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي التي تستحوذ عليها صناعة البتروكيماويات الأساسية (أسمدة، بولميرات).
ثورة النفط والغاز الصخريين سيزيدان حدة المنافسة
من جهته قال الخبير في شؤون الطاقة الدكتور أنس الحجي إن ما طرقه سمو مساعد وزير البترول والثروة المعدنية هو الواقع الحقيقي لصناعة البتروكيماويات في المنطقة ، مشيرا إلى أن من أهم نتائج ثورة النفط والغاز الصخريين هو زيادة حدة المنافسة في قطاع البتروكيماويات وذلك نتيجة عودة الحياة لهذه الصناعة في الولايات المتحدة ًانتعاشها بشكل كبير. مؤكداً أن ذلك يعد منافسة لصناعة البتروكيماويات في دول مجلس التعاون لأنها هي الوحيدة التي تستخدم الميثان خارج دول الخليج بينما يستخدم النافثا بدلا عنها في أوروبا وآسيا كما أن الميثان هو الغاز وهو متوافر ورخيص بينما تأتي النافثا من النفط وسعرها مرتفع. ويضيف الدكتور الحجي قائلاً : إضافة إلى ذلك فإن معدلات الكفاءة في الإنتاج في مصانع البتروكيماويات الأمريكية أكبر من معدلات الكفاءة في المصانع الخليجية ويعد هذا الأمر مهما لأن الدول الخليجية تبنت سياسة التصنيع التي تعتمد على البتروكيماويات بهدف تنويع مصادر الدخل وتحقيق تنمية مستدامة، والآن نرى أن هذا القطاع في خطر.
صناعة مترابطة ومكملة لبعضها
إلى ذلك قال الاقتصادي الدكتور فهد بن جمعه إن شركات البتروكيماويات إذا استمرت في الاعتماد على القيم الرخيص من الغاز في منافستها في الأسواق العالمية قد يؤدي ذلك إلى فشلها محلياً وعالميا . مضيفاً أن عليها استخدام الطاقة بكل كفاءة حتى لا تواجه تلك الشركات نقصاً في الإمدادات مقابل تلك الأسعار الرخيصة جداً مقارنة بالأسعار العالمية على سبيل المثال في المملكة سعر كل مليون وحدة حوارية بريطانية من الغاز فقط 75 سنت بينما متوسط السوق الأمريكي 3.56 دولار. وتطرق بن جمعه إلى موضوع الابتكار بقوله : يجب أن تكون الصناعة متكاملة في عملياتها الإنتاجية إلى صناعة المنتجات النهائية التي يمكن تسويقها محلياً وعالميا وذلك من خلال إستراتيجيات تسويقه مبتكرة تخلف عملاء جدد في المنطقة والعالم بأقل تكاليف وأن نخلق صناعات أخرى مساندة أو ما يسمى بالتجمعات العنقودية التي تجعل تلك الصناعة مترابطة ًومكملة لبعضها مما ينتج منه قيمة مضافة اقتصادية يكون وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي مستدام ، وأضاف : من الضرورة أن نتعرف على القوانين الدولية في هذه الصناعة وندرك ماذا ستتعرض له من حماية وسياسات إغراق في أسواق منافسيها كما حصل سابقا كما يجب تنويع المنتجات بناء على تغير ذوق وسلوك المستهلك وهو الذي يحقق لها الاستمرار والنجاح وليس اعتبار أسعار القيم هي الميزة النسبية لهذه الشركات التى يتنافى مع أنظمة منظمة التجارة العالمية لذلك نقول إن رفع الكفاءة والابتكار والشباب المؤهل والمنتجات الجديدة المتنوعة وإيجاد أسواق جديدة هي عوامل تجعل الصناعة تحافظ على مكتسباتها. وأضاف بن جمعة لا بد أن يتحمل الشباب مسؤولية مستقبل بلدانهم وأن يعرفون أن الموارد البشرية الماهرة من أهم عناصر الإنتاج لهذه الصناعة فتعليم الشباب التعليم النوعي وتطوريهم وتدريبهم من أهم إستراتيجيات الموارد البشرية التي تهدف إلى توفير شباب مؤهل يدعم تلك الصناعات هو الطريق المأمول والمتوقع على تلك الشركات التي يجب أن تكون حاضنة للشباب من مرحلة المتوسطة وحتى التخرج من الجامعة والربط بين مخرجات التعليم وما تحتاجه تلك الشركات حتى لا تواجه نقص في هذا النوع من العمالة وأن لا يبقى شبابنا بدون عمل ومستقبل. مشدداً بأن إدراك تلك الشركات لمتطلبات المستقبل وأن دعم الطاقة لن يستمر سيجعلها تفكرا جيدا وتوقف هدر الطاقة وترفع من كفاءتها في عملياتها التشغيلية ومن خلال رفع مستوىإنتاجيته مواردها البشرية.