قبل عامين فاجأه أحدهم معتمرًا اسمَه ووسمه ووصفه الوظيفيَّ بحسابٍ خاصٍ وصفحةٍ “فيسبوكيةٍ” ودردشاتٍ مباشرةٍ؛ فلم يكتفِ صاحبُها بمخاطبةِ الأصدقاء الذين قبِلهم أو قبلوا به فاجترأَ على ذي الحقِّ الذي تصور للحظةٍ أن ثمة خللًا تقنيًا فكيف يخاطبُ نفسَه بنفسِه ثم أدرك أن “الآخَرَ” عابثٌ ملأه الفراغ، ودار بينهما حوارٌ بائسٌ؛فأن تكونَ “أنت” ثم تكونَ “هو” أو “هي” وتتمددَ لتصبح “هم” فضمائرُ ينوءُ بها من له ضميرٌ وليس لديه مُضمر.
- لم يبلغ الحوارُ مأمنه ولم يستشرف مكمنَه فاستعان بصديقٍ يعي مسافاتِ الوصل والفصل الرقميةَ وأدرك أن” التهكير” فنٌ له عارفوه،ثم أيقن أنه لو تجاوز هذا الهاكِر” الساذجَ” الذي واجهه بانتحاله شخصيةً ليست له فمَن له بمن لا يبلغونه ولا يبلغُهم ؟ ثم علَّمه الزمن أن ساكني الدهاليز الخلفية لم يعتادوا الضوءَ فلا دليلَ عليهم كما لا سبيلَ إلى متابعتهم ولا مناوأتهم.
- من اختار الطريقَ التقنيةَ فعليه تحملُ أوضارها ومضارها؛ ليبقى الاستفهامُ : هل الجميعُ مضطرون إليها بشخوصهم العامة أم يكفي من شاء منها علائمُه الخاصة، ولا فرق إن رُئيَ أو لم يُرَ، ولا مانع إن وقَّع باسمه الحقيقي أو اختار له اسمًا مستعارًا؛ فكفُّ الغِيبةِ عن النفس حريٌ بدعاء الرحمة في وسائطَ مبناها ومعناها - في أغلبه - هذرٌ واغتيابٌ وبهتانٌ .
- تطورت أدواتُ التهكير لتخترقَ كلَّ ما لنا وفينا، ورافقتها وسائط التلصص والتجسس فبات البناءُ التقنيُّ بلا أسوارٍ ولا أبوابٍ ولا حراسة، وهذا ناتجٌ معقولٌ علمًا وربما أصبح مقبولًا مسلكا ، لكن المشكلةَ حين لا نُفرق بين من هو “أنا” ومن هو “ أنت” ومن هم غيرُنا، وهو ما يستغله المبتزون والمتسولون والعاطلون والمتأبطون شرورَ أنفسهم وسيئات حاسوباتهم.
- وبين آنٍ وآنٍ نقرأُ أخبارًا عن إقفال بعض الأسماء المعروفة حساباتِها الرقمية في “تويتر” وفيسبوك” وما جرى مجراهما واضطرارهم لإصدار بياناتٍ تنفي علاقتهم بما تُقُوِّل على ألسنتهم أو صُوّر وفق أشكالهم متألمين لما تعرضوا له من أعمال قصٍ ولزقٍ ومونتاجٍ بهدف التشويه المعنويِّ أوالاستغلال المادي.
- لن يستطيع أحدٌ حفظ حقوقه فيما هو له ولن يمنع أن يضافَ إليه أو يُجتزأَ منه أو يسلبَ بأكمله، كما لن يعدمَ رخيصين يُمارسون هواياتهم التفكيكية والتركيبيةَ ولن يبلغَه كلُّ ما تمَّ أو يتم ولن يناقشه كلُّ من وصل إليه ما لم يعقله.
- سيكون الوقتُ القادمُ أشدَّ سوءًا، وربما اطلّع بعضكم على تقرير متلفزٍ مخيفٍ حول يُسر الاختراق وكثافة الاختلاق عبر تجارب حيةٍ نفذها معدُّ التقرير فلا زوايا منعزلة ولا خصوصيةَ مضمونة وسيُحتاجُ معها إلى شهود إثبات لا بيانات نفي؛ فالأصلُ الكذبَ حتى يتبينَ الصدقُ والزيفُ إلى أن تُجلى الحقيقة، وهيهات، وقد يتخلى كثيرون عن اتكائهم على وسائط داخَلها الالتباسُ ويُسيِّرها الملتبسون.
** العقل ادِّكار.