كنا نتسقط أخبار محاضراته من زملائنا في جامعة الملك سعود؛ فقد كان ذا حضور حد الامتلاء، وصراحة حد المباشرة، غير عابئ بمن يترصد ومن يتودد؛ فكلاهما - في حسابه- طالبان حقهما أن يسمعا ما يراه، لا أن يريا ما يودان سماعه.
كنا حديثي عهد بمتابعة، بعد انقطاع الاغتراب، وكان يزور (معهد الإدارة) - بين آن وآن- فقرأنا في (الحالات الإدارية التي يكتبها خطرات مفكر أهمه استرخاء واستعلاء، وتنميط وتخلف، ومحسوبيات وحسابات؛ فشخصت الداء، وسعت لوصف الدواء.
استفدنا من تلك الحالات في إنتاج أفلام إدارية مثلت - قبل ربع قرن- تحولا ذا بال في تدريس الإدارة التي ظلت مدينة (معهداريين) بالتغيير والتطوير.
كان هذا شأننا مع مؤلف (البيروقراطية النفطية)، و(التنمية بين التحدي والتردي)، و(عفوا أيها النفط)، و(المورد الواحد) وفيها ما قرأناه، وفيها ما سمعنا عنه؛ فلم تكن كل أفكاره مباحة أو متاحة؛ كما بعض شعره الذي سارت ببعضه الصور المستنسخة؛ ومنها: تلك الملحمة المعبرة:(من ورائي جمهرة وأمامي جمهرة)، وصادفت شيئاً من الهوى في نفوس شابة (رأت الكرة دون أن تشهد صلاحاً يقود الميمنة والميسرة).
قرأنا في شعره الشظف لا الترف، ووعينا من فكره الانطلاق لا الارتزاق، وقدرنا في شخصه قلقاً أدى به إلى الاعتزال، ولم يقل (أضاعوني)؛ إذ شاء بنفسه أن يغيب.
الأستاذ الدكتور أسامة عبدالرحمن عثمان (المدينة المنورة: 1942-) من أوائل - إن لم يكن أول - الحاصلين على (الدكتوراه) في العلوم الإدارية من الولايات المتحدة، وهو الشاعر والناثر والمؤلف وكاتب الزاوية، والذي آثر الانزواء عن المشهد الثقافي ومنابره، مثل كثيرين سواه، أيقنوا أن الساحة لم تعد مكانا للإبداع ولا للإمتاع.
«غيض الماء» لكنها لم تستو «على الجودي»؛ فلا يزال الحراك البطيء يوحي أن «الشمعة الظمأى» تحترق دون أن تنطفئ؛ فلعل الله يبعث لها من يوقدها.
لأسامة عبدالرحمن أن يهنأ بصمت، ولنا أن نهدر بصوت، وقد نكتشف أن صمته هو الصوت، وصوتنا هو الصمت، وفي الحياة عظة وللأحياء ادّكار.
الجدران حاجز وحافز.
(من مقالة سابقة منشورة بالمجلة الثقافية في العدد «286» بتاريخ 11/6/1430هـ)