تبذل الدولة قصارى جهدها لرعاية المواطنين، وتسخر كافة أجهزتها من أجل ذلك ومن أجل التنمية في جميع المجالات في الصحة والتعليم والثقافة، ومن أهم جهود الرعاية من قبل الدولة الرعاية الاجتماعية، وقد سخرت الميزانيات بالمليارات لتنمية المواطن السعودي الذي يعتبر هو الأساس في عملية التنمية، وقد قال الملك عبدالله حفظه الله إنما أنا فرد من هذا الشعب وقد أمنني الله على خدمته فهو أغلى عندي من كل شيء.
وكانت الرعاية الاجتماعية قبل إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية تتمثل في عدة مؤسسات بعضها يهتم بالأيتام والبعض يهتم بالمسنين وأيضاً مؤسسات تهتم بالأحداث.
فلما أنشئت الوزارة في عام 1380هـ تم ضم تلك المؤسسات لوزارة الشؤون الاجتماعية وأنشأت الوزارة دوراً خاصة بالأيتام ودوراً للمسنين ودوراً لرعاية الأحداث المعرضين للانحراف المتمثلة في دور التوجيه، ومن ثم دور الملاحظة لرعاية الأحداث المنحرفين، ولحق ذلك فيما بعد مراكز التأهيل المهني ومراكز التأهيل الشامل لرعاية المعاقين وذوي الظروف الخاصة وغيرها من الدور في جميع مناطق المملكة، وتمد تلك الدور بالتجهيزات والإعاشة والتدريب والتأهيل من أجل الاندماج في المجتمع، وأن يخرج خريج هذه الدور وقد تغيرت مفاهيمه وتعدل سلوكه للأفضل والأحسن وأصبح نافعاً لنفسه ومجتمعه.
وكان العمل الاجتماعي فيه إخلاص وتفان من قبل الإخصائي الاجتماعي أو المراقب الذين كانوا يبذلون أقصى جهودهم من أجل راحة نزلاء الدور، وكانت العلاقة بينهم وبين متلقي الخدمة علاقة قوية ومهنية والكل يعمل كفريق واحد من أجل هدف واحد هو تقديم أفضل رعاية لتلك الفئات من نزلاء الدور، والوصول بهم إلى أفضل النتائج لكي يصبحوا مواطنين صالحين.
أما الآن فإننا نقرأ في الصحف أن هناك تجاوزات ضد الأيتام والمعاقين - وإن كانت محدودة - من قبل بعض العاملين والاعتداء عليهم جسدياً ومعنوياً، وغابت العلاقة المهنية والعمل كفريق من أجل راحة النزلاء في هذه الدور.
وهذه العلاقة المهنية بين الإخصائي الاجتماعي لمساعدة النزلاء وحل بعض مشاكلهم أو الوصول إلى ما يعترضهم من مشكلات فيعمل على حلها ويكسب ثقتهم، كانت في السابق بمثابة علاقة الأب أو الأخ الأكبر، وبالتالي كانت هناك ثقة وقرب بين الإخصائي الاجتماعي ومتلقي الخدمة، وبهذه العلاقة يبوح صاحب المشكلة من هؤلاء المتلقين بمشكلته على الإخصائي الاجتماعي فيساعده على حلها بعد دراستها وتشخيصها ومن ثم علاجها.
وأنا هنا أكتب من واقع خبرة وتخصص وعمل ميداني أكثر من (35) سنة لعلي في هذا أساهم في تصحيح وتعديل بعض المفاهيم الخاصة للرعاية الاجتماعية والخدمة الاجتماعية لأن الخدمة الاجتماعية علم وفن والاخصائي الاجتماعي بهذا العمل يعتبر بمثابة الطبيب الاجتماعي يعتمد على حل المشاكل بالتشخيص والعلاج.
أما الآن فقد اقتصرت العلاقة على الأداء الوظيفي البحت، ولم تعد هناك تلك العلاقة المهنية التي تنشأ عليها الثقة في الاخصائي أو الباحث الاجتماعي، والتي قد تمتد حتى إلى ما بعد طي قيد النزيل، والتي تتمثل في الرعاية اللاحقة والتي لم يكن لها أثر في التطبيق رغم صدور موافقة سامية على إنشاء الإدارة المختصة بهذه الرعاية، فهذه العلاقة المهنية ليست وليدة يوم وليلة بل هي نتيجة عدة مواقف في الحياة اليومية في الدار ولهذا كما ذكرنا كان البعض من النزلاء يبوحون للاخصائي الاجتماعي بما يعانون منه من مشاكل، فيعمل على حلها لهم ويكسب ثقتهم ولكن يجب ألا تتحول هذه العلاقة المهنية إلى علاقة شخصية حتى لا يسقط الحاجز بين الاخصائي والنزيل حتى يمكن للاخصائي أن يضع الأمور في نصابها إن لزم الأمر.
أما الآن فهناك بعض الموظفين في الإدارات الإشرافية من يقوم بالإشراف على تلك الدور من غير المتخصصين سواء حصل على ذلك المنصب بالنقل أو بالتعيين، فالعمل في هذا المنصب سيكون مجرد وظيفة ليس لها علاقة بعمله، فهو غير متخصص في مجال الخدمة الاجتماعية، وقد يكون تخصصه بعيداً كل البعد عن العمل الاجتماعي فكيف يرجى منه تقييم العمل (فاقد الشيء لا يعطيه).
لذا فإنني أهيب بمعالي وزير الشئون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين بغربلة هذه الإدارات ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب كل على حسب تخصصه وخبرته. حتى تسير خدمات الرعاية الاجتماعية في المراكز والدور الاجتماعية في مسارها الصحيح ويكون المشرفون عليها من ذوي الاختصاص.