قد ترتفع أسعار السلع والمواد الغذائية، وقد تزداد أسعار الخدمات، ومن المتوقع أن ترتفع أجرة الأيدي الفنية، سواء في الصيانة والتشغيل، أو في المقاولات، وهو أمر طبيعي، للنقص الحاد في الأيدي العاملة، خاصة أننا اكتشفنا أن الآلاف من العمالة في الشوارع، هي أما عمالة مهربة، ولا تحمل إقامة نظامية، أو عمالة هاربة من كفلائها وشركاتها، وانتهت إقامتها النظامية منذ سنوات.
في السابق نجد العشرات ممن يفترشون الأرصفة ببضائعهم، ويسدون الطرق، ويملؤون الساحات أمام الجوامع، ويبيعون بضائعهم بثمن بخس، لأنهم لا يدفعون تكاليف تشغيل، كإيجار مقر وكهرباء ورسوم و... إلخ. لكن في المقابل، ونظراً لاختفاء هؤلاء مع حملات التصحيح، يجب على وزارة التجارة أن تضاعف جهودها، وتنشر مراقبيها في كل الأحياء، وتعاقب بصرامة جميع المحلات التي استغلت هذه الظروف، التي اضطر المواطن إلى الشراء منها، بعدما افتقد خدمات باعة الأرصفة والطرقات، فهذه المحلات، خصوصاً محلات الخضار والمواد الغذائية، استغلت حاجة المواطن، وعدم تعدد خياراته كما السابق، بأن عبثت بالأسعار، دون رقيب ولا حسيب.
أما على مستوى الخدمات، خاصة في مجالات الصيانة والتشغيل والبناء والتشييد، فقد استغلت الشركات والمؤسسات التي لديها عمالة نظامية هذه الظروف، التي لا يتوفر فيها عمال اليومية الذين كانوا ينتشرون على الطرقات، مثل السباكين والكهربائيين وعمال الدهان والبلاط ولبناء عموماً، واستقبلت ذلك بأسعار تتصاعد بشكل تدريجي، في محاولة استغلال ظروف حاجة المواطن، وعدم توفر الخيارات لديه كما في السابق.
لا يعني حديثي هذا أنني لا أتفق مع ما يحدث من حملات تصحيح لأوضاع العمالة، بل أبارك ذلك، ولابد من تطبيق شروط الإقامة في بلادنا، كما في كثير من دول العالم، لكن يجب أن يصاحب ذلك مراقبة دقيقة وحازمة للأسعار، فمن الطبيعي أن يكون بيننا ضعاف نفوس يستغلون مثل هذه الظروف الاستثنائية.
كما يجب أن تنشط مكاتب العمل في مختلف المدن، وتمنح التأشيرات للمهن الفنية التي لن يعمل فيها المواطنون من جهة، وستضرر التنمية الإنشائية بفقد مثل هذه العمالة من جهة أخرى.
يقول أحد المسؤولين الإماراتيين، إن الغرامة لمن يؤوي عاملاً أو خادمة غير نظامية في منزله، ويقوم بتشغيله بشكل غير نظامي، يتعرض إلى غرامة مالية تصل إلى خمسين ألف درهم، فإذا كانت هذه الصرامة على عمالة المنازل، التي لا يراها أحد داخل أسوار المنازل، فهل يجرؤ عامل أن يبسط بعدته على أحد الأرصفة في دبي أو الشارقة؟.. هكذا يجب أن يكون الأمر لدينا، يتم التعامل بمنتهى الصرامة والجديّة، ولكن... وهذا هو المهم، أن يتم تسهيل استخراج تأشيرات العمالة، سواء عمالة المنازل للمواطنين، أو للمؤسسات والشركات التي تستقدم عمالاً لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة باحتياجات المواطن، أما أن تبقى الإجراءات البيروقراطية كما هي، أمام ترحيل هؤلاء العمال، الذين كانوا يقومون بأدوار مهمة، فإن المواطن، وكذلك مالك المؤسسة والشركة، سيعود من جديد إلى إيجاد مختلف الحيل والالتفاف على النظام، كي لا تتعطل احتياجاته ومصالحه.
النجاح والفشل لهذه الحملات، يعتمد على ما يصاحبها من تصحيح شروط الاستقدام، وتوفير العديد من البدائل والجنسيات، بالذات لعمالة المنازل، وللعمالة الفنية المدرّبة لقطاعات الصيانة والتشغيل والمقاولات.