كتبت مراراً عن إهمال الأندية الأدبية، المنتشرة في شتى مناطق المملكة، لشريحة الشباب والأطفال، وبالذات فئة الأطفال، حيث كان الاهتمام بتأمين مصادر الثقافة لهم، من مسرحيات، وأفلام سينمائية كرتونية، وكتب مخصصة لمختلف الشرائح العمرية، وتمنيت أن يبادر أحد هذه الأندية الخمسة عشر، ويعلّق الجرس لأنشطة الأطفال داخل أسواره الحصينة، حتى بادر نادي الجوف الأدبي - وهو النادي الذي تعرّض مراراً إلى احتجاجات المتطرِّفين، وصلت إلى إحراق خيمة النادي، وإتلاف بعض منشآته - ليقدم برنامج «المثقف الصغير» المخصّص لفئة الأطفال، ويتضمّن منحهم عضوية «المثقف الصغير» للاستفادة من مطبوعات النادي وإمكاناته ومرافقه، وكذلك قدم النادي استعداده لاستضافة المثقفين الصغار المستفيدين من البرنامج في معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته المقبلة.
مثل هذا البرنامج، الذي طرحه أدبي الجوف مشكوراً، يضع اللبنة الأولى في البناء الثقافي المجتمعي، ويؤمن بأنّ القراءة تربية، تبدأ من الطفولة المبكرة، ليعتاد الطفل خلالها على التعايش الإيجابي مع الكتاب، وعلى رؤية المكتبة المنزلية، بعد أن شجع النادي الأُسر على إقامة مكتبات منزلية، حتى ولو كانت صغيرة وبسيطة في البداية، فمكان مخصّص للمكتبة، وللقراءة في المنزل، لا يختلف عن مكان مخصّص للطبخ، وللأكل، فكلاهما غذاء، سواء للمعدة أم للعقل.
ما يجب على النادي الالتفات إليه، والاهتمام به، هو أن يسعى إلى وضع استراتيجية محدّدة لثقافة الطفل ومنشوراته، تتضمّن أهدافاً وآليات تنفيذ، تحقق من خلالها نشر كتب الأطفال، سواء لكتّاب سعوديين، أو عرب، أو ترجمة لمؤلّفات أجنبية للطفل، فما أجمل أن تكون الجوف منارة لأدب وثقافة الطفل في العالم العربي، خاصة أنّ التجارب الخليجية، سواء في الشارقة أو الدوحة، أثبتت أنّ الثقافة الحقيقية هي المنفتحة على الآخرين، فلم يَعُد الهدف التقليدي الذي تعلّقت به أنديتنا الأدبية عشرات السنوات، وهو التركيز على أدباء المنطقة، هدفاً مناسباً في الزمن الراهن.
ولعل الزملاء في أدبي الجوف يتنبهون أيضاً إلى أهمية تكوين الثقافة عبر الأوعية الإلكترونية، خاصة أنّ الجيل الحالي من الأطفال، هو جيل رقمي بامتياز، فلا بد من توفير الأجهزة اللوحية المخصّصة للأطفال، لأعضاء برنامج المثقف الصغير، لأنها ستربطهم بالواقع اليومي، حيث لا يمكن تخيُّل هذا الواقع من غير هذه الأجهزة، وإلاّ انفض هؤلاء الأعضاء الصغار عن النادي عاجلاً أو آجلاً.
فعلى سبيل المثال، الأجهزة اللوحية مثل «ليب باد» و»ليب باد2» وغيرها، توفر للأطفال عدداً من البرامج، من بينها الكتب، فالدخول لعالم القراءة المذهل، لن يتم بطريقة أجيالنا التقليدية، والكتاب الورقي المعروف، بل عن طريق هذه الأجهزة، بعد تحميل كتب النادي المخصّصة للطفل، وكذلك مختارات من كتب الأطفال الأخرى، لتشجيع الطفل العضو على القراءة من خلال هذه الأجهزة.
ولا شك أنّ ربط الأطفال بمقر النادي، وتكليف اللجنة النسائية بتكوين نادي طفل داخل النادي الأدبي، سيشكّل انعطافة مهمة في مسيرة النادي، بحيث يتضمّن نادي الطفل مكتبة وقاعة للقراءة وطاولة اجتماعات لمناقشة الأعمال المقروءة، وتحفيز الأطفال على الحوار، وكذلك قاعة لعرض الأفلام، وغيرها.
هذه الخطوات، حتى ولو كانت متواضعة تبعاً لإمكانيات النادي، ستكون خطوة مهمة، وربما تحفز أندية أدبية أخرى، في مناطق أخرى، لعمل مشروعات مشابهة.