المؤسسة التعليمية في أي دولة من الدول هي أضخم تشكيل في جسم شعوبها فهي تضم ما يقارب ربع سكان أي دولة بينما حجم الإنفاق على هذه المؤسسة يكاد يصل إلى أكثر من ربع ميزانية الدولة.. فإذا عجزت هذه المؤسسة الجبارة والمهمة عن أن يكون لها في خطة نهضة الأمة الحضارية أعظم الدور وأبلغ الأثر فحريٌ بالأمة أن تنسى هذه الخطة.. وتقنع ببقائها في الذيل من ترتيب الأمم.
بعد هذه المقدمة المختزلة أتساءل.. ترى متى نرتقي بجودة تعليمنا العام إلى مستوى نشعر فيه بالفعل أننا أمام تعليمٍ مثالي يُخرِجُ أجيالاً مستنيرة واعية صانعة لفكر الحضارة والتقدم في عصر تفَجرِ المعلومات وتضاعف الإنتاج الفكري والعلمي بسبب النقلة المعلوماتية التي وفرتها طفرة تقنية المعلومات وزيادة التفاعل في حقل العلم والمعرفة؟.. سأرهنُ نفسي طالبة لا زالت على مقاعد الدراسة وأطرح أيضاً تساؤلاً آخر.. ترى أين موقعي كطالب أو طالبة في خضم هذه الثورات العلمية والمعرفية.. الثقافية أو الصناعية في ظلِ تعليمٍ يعتمد أساليب تقليدية لا تتوافق مع عصر تدفق معلومات التقنية وتكنولوجيا المعرفة عصر بحث المزيد عن كل جديد من مقومات الدفع لعجلة النمو والتقدم.
فإذا كان العلم والمعرفة عنصرين حضاريين مؤثرين للخروج نحو قلاع التقدم الحضاري والنهضة والرقي.. فإن التنقيبَ في التفاصيل ينحصر ضمن نطاقين لا ثالث لهما، ويتبلور في (إصلاح التعليم وزاوية اقتصاد المعرفة)، لكن المتأمل في نسق التعليم العام لدينا يكتشف مدى عجزه في تغيير نمط أنظمته التعليمية القائمة على أسلوب التلقين بمعنى الحشو المعرفي الذي لم يعد سوى مجرد قشور خارجية من معلومات وقتية سرعان ما تتطاير بعد انتهاء تقييمٍ أو اختبار ولأن مساقاتِ التعليم لدينا مساقاتٌ تدور في فلكٍ مغلق أطرُه تراكمات الحشو والتلقين.. الحفظ والتسميع.. عدم التركيز على إكساب الطالب مهارات تنمية وتطوير الأفكار واستخدام مبدأ التجربة للكشف والاستنتاج ومنح فرص الابتكار والإبداع وبالتالي احترام استقلاليته كذات تفكر وتبحث وتستنتج لتبتكر وتبدع.. فإن روح اللهفة والشغف للعلم والمعرفة لن يتحقق في وجدان وعقول طلاب يبحثون عن مضامين علمية ومعرفية تلائم واقعهم المعاش. إن الوقت الراهن بما يحويه من تعاظم معرفي متجدد شكلته بيئة قطبية الأبعاد تتجاذب مساحاتها بتعدد المصادر المعلوماتية تجعلنا نعترف بأن عقماً ينخر جسد نظامنا التعليمي فكلاسيكية المعايير التي لا زال يتكئ عليها من اجترار وتكرار لنسق تعليمي ثابت جامد تتعاقب على دراسته الأجيال دونما أي منهجية للتجديد والتطوير في ظل متغيرات متتالية وسريعة للبرامج التعليمية فرضتها طبيعة الانفجار المعرفي والعلمي الذي يسود العالم في العصر الحالي تجعلني كمواطنة.. وأم ومعلمة أتسائل تعليمنا إلى أين فإذا كنا على زيف الوهم نراهن على تعليم سرعان ما يتفكك بانتهاء تقييم أو اختبار.. فإن المحصلة النهائية هي تخريج أجيال عقيمة الفكر سطحية المعرفة تتعامل مع المفاهيم والمفردات العلمية والمعرفية تعاملاً أجوف.. أجيال تعجز عن ممارسة وظائفها التطبيقية والعملية رغم أنها تحمل مؤهلات ورقية تشير إلى تأهلها للقيام بأي عمل يُسند إليها.. إذن أليس من حقنا أن نتساءل: لماذا المجتمعات الأخرى كالمجتمع الياباني أو الماليزي أو حتى الهندي تتضاعف لديهم القدرة على تطويع المعارف والعلوم والتقنية بشكل يخدم اتجاهات التنمية باختلاف مساراتها؟.. لا أعتقد أننا نحتاج إلى تفكير طويل للإجابة.. فتلك المجتمعات كسرت القواعد التي بُني عليها النظام التعليمي لديهم والقائم على الحشو والتلقين.. الحفظ والتسميع.. التقييم والاختبار..واتجهت للاهتمام بكشف المحددات الأساسية لمبادئ أسس التعليم.. بحثت في المعايير المؤثرة وتعاملت مع العلوم والمعرفة ليس مجرد نشاط تأملي ولا ممارسة أقوال خطابية، بل شبكة معلومات تقنية متداخلة ومترابطة.
أخلص إلى القول بأن المقتضيات الأساسية لمخرجات التعليم لدينا بحاجة إلى مساقات جديدة ومتطورة لتحقيق تواؤم مع معطيات العصر وما يشهده من انفجار معرفي ومعلوماتي هذا من جهة، ولتخريج أجيال مبدعة مفكرة تسخر من ذواتها أرقاماً فاعلة في العملية التنموية للوطن.