معلوم أن كل موظف، سواء بالقطاع العام أو الخاص، يرتبط ببرنامج يضمن مستقبله التقاعدي من خلال مؤسستَيْ معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية. وبالرغم من أن التعديلات الأخيرة بنظام التأمينات سمحت بأن يشترك فيها من ليس لهم وظيفة بالقطاع الخاص، ويقومون بأعمالهم من خلال منشأة صغيرة خاصة بهم، إلا أن دعم هذا الموظف أو المنتسب لهاتين المؤسستين يجب أن يكون بطرق عديدة، من خلال فتح المجال أمام أفكار قد تكون جديدة بمجتمعنا، لكنها ليست بالطرح الجديد عالمياً أو عربياً.
والمقصود هنا تكاتف أصحاب المهن المنظمة من السعوديين والموثقة بشهادات علمية، كالمهندسين أو الأطباء أو المدرسين وأساتذة الجامعات والمحامين والصحفيين والماليين والرياضيين، وغيرهم، وبعض هذه المهن لها جمعيات أو هيئات مجتمع مدني ترعى العديد من شؤونهم، إلا أن التكافل الاجتماعي والدعم المالي يبقى غائباً عنها، ومعروف أن الانتساب لهذه المؤسسات المدنية يشمل المهني أياً كان موقع وظيفته بالقطاعين العام والخاص، وبذلك فإن منهج التكافل بينهم يكون مجدياً وعادلاً، ويفتح باباً أمامهم لكي يستندوا إلى خيار للدعم المالي خارج المنظومة التقليدية المتبعة حالياً، ويشكل رافداً لهم، يساعدهم على تلبية احتياجاتهم من خلال ما يستثمرونه بصناديق تخص مهنهم، وتُدار من خلال جمعياتهم أو مجالس إدارة لها، تقدم الدعم المالي في حال تعرض المشترك فيها لعجز نسبي أو كلي، يعيقه عن ممارسة عمله، أو في حالة الوفاة لأسرته، كما يمكن لهذه الصناديق أن تقدم القرض الحسن لهم في حالات محددة، تكون أغلبها ذات طابع إنساني، أو لمساعدته باحتياجات محددة، وذات مبالغ بسيطة.
ويمكن لهذه الصناديق أن تخضع لنماذج استثمارية ذات مخاطرة صفرية لضمان أموال المشتركين فيها، ويتم مراقبتها من قِبل جهة رسمية متخصصة، تمنع تعرضها لأي عجز مالي، وتلغي عوامل المخاطرة فيها، وتبقيها ضمن الإطار التنظيمي الذي أُسست لأجله. وتصدر هذه الصناديق تقاريرها دورياً، ويُعيَّن لها مكاتب مراجعة ومحاسبون قانونيون لضبط أدائها.
كما أنه من المهم أن تحدد مدد الاشتراك التي يمكن بعدها للعضو الحصول على المنفعة منها، حسب الحالة أو الحاجة التي يتعرض لها، أو عندما يتقدم للصندوق بطلبه للحصول على الدعم أو التمويل الذي يحتاج إليه. كما يمكن لهذه الصناديق أن تستثمر بأصول مالية وعينية ذات مردود جيد وآمن لرأس المال.
أصحاب المهن يمكن لهم أن يؤسسوا صناديق تدعمهم وتساندهم بمواجهة أعباء الحياة بنماذج مختلفة عن السائد حالياً، وتؤسس لرفع الثقافة الادخارية والاستثمارية بما يعود عليهم وعلى المجتمع بمنافع عديدة، وتبعدهم عن العوز والحاجة هم وأسرهم. فكثيراً ما سمعنا عن حالات إنسانية مؤلمة، اضطر أقاربهم وأصدقاؤهم لجمع تبرعات لهم أو لأسرهم، إما لسداد ديون أو شراء منزل أو للعلاج أو غيرها من المصاعب التي واجهتهم؛ ولذلك فإن تنظيم عملية الدعم والمساندة لأصحاب المهن أصبح ضرورة لهم دون الحاجة لأن تُعرض حالاتهم على الرأي العام أو المجتمع حرصاً على مشاعرهم وذويهم، ولتعزيز مبدأ التكافل بالمجتمع.