يُعلِّق مصرفي أمريكي محنَّك على تشبُّث العرب باستثمار أصول أوقافهم بالعقار: «الشيء المثير للاستغراب هو تبني المسلمين في جميع أنحاء العالم آخر ما توصلت إليه التقنية الحديثة خلال حياتهم اليومية (من الهواتف النقالة إلى عمليات القلب الجراحية).. ومع هذا فلا تزال الأوقاف تُدار بالطريقة التي كانت تُدار بها منذ 500 سنة. يجب أن تتغير تلك المنهجية ويتم استخدام الإدارة المصرفية الحديثة في إدارة تلك الأصول».
قال الرئيس التنفيذي لشركة صفا للخدمات الاستثمارية التي تخطط لتقديم خدمات إدارة الأصول والأوقاف الإسلامية بالسعودية إن الشركة تسعى لجلب أفضل الممارسات في العالم لتطوير منظومة استثمار أموال الوقف والتأمين التكافلي وصناديق التقاعد وضمان تحقيق إيرادات أكبر.
وقال جون ساندويك الرئيس التنفيذي للشركة التي تتخذ من سويسرا مقراً في اتصال مع رويترز إن صفا تسعى لتطوير معيار ذهبي لتوزيع الأصول الإسلامية على أدوات استثمارية شتى بدلاً من التركيز على العقارات والاستثمار المباشر.. وهذا يعني أنه سيتم توزيع الاستثمار عبر فئات الأصول الأربع، وهي: النقد وأدوات الدخل الثابت والأسهم والاستثمارات البديلة التي تشمل العقارات وصناديق التحوط والسلع وغيرها.
وقال ساندويك إن المعيار الذهبي في إدارة الأصول التقليدية حسب النظريات الحديثة هو وضع خمسة في المئة من الأصول في أسواق النقد و45 في المئة في أدوات الدَّين كالسندات و35 في المئة في الأسهم و15 في المئة في استثمارات بديلة.
وتساءل: «بالنسبة لامرأة ثرية مسلمة هل تستطيع شراء وحدات في صندوق سندات يديره صندوق تحوط؟.. بالطبع لا.»
العقار مع الأوقاف
وكانت مصادر قد كشفت للجزيرة في وقت سابق أن المستثمرين المسلمين, بسبب خلفيتهم الثقافية, يميلون للاستثمار بالقطاع العقاري.. الأمر الذي انعكس على تحول 70 - 80 من أصول أوقافهم إلى أصول طويلة الأجل لا يمكن تسييلها بسهولة.. ولم يتعلم هؤلاء المستثمرون من انهيار السوق العقارية الخليجية في عام 2008.. والذي نتج عنه إيرادات عقارية غير ثابتة.
وانعكس ضعف الإدارة المهنية لأصول الأوقاف في وضع إيراداتها بمنتجات غير عقارية الا أنها تحمل سمت الإيرادات المتواضعة.. أي أن الإطار العام لصناعة الأوقاف هو وجود كمية هائلة من الكاش محصورة في منتجات ذات إيرادات منخفضة جداً.
واعتبر مصرفي مخضرم أن ثروات الوقف وأموال شركات التأمين التكافلي تُدار بطريقة بدائية في المنطقة العربية تركز بشكل حصري على العقارات وأدوات الاستثمار المباشر بما يهدر فرص تحقيق عائدات كبيرة.
يقول ساندويك: «حين تضع كل استثماراتك في (أدوات) الاستثمار المباشر أو العقارات كما يفعل كثير من الناس في السعودية مثلاً.. أنت تتجشم مخاطر ضخمة مقابل إيرادات غير مؤكدة.»
المعيار الذهبي
وتنوي «صفا» مساعدة العاملين في صناعة الأوقاف، من خلال تزويدهم بالتكنولوجيا الحديثة المتاحة للاستثمار في هذا المجال بشكل أكثر حرفية ومهنية وذلك من خلال طرح خدمات إدارة الأصول الإسلامية وفق نظرية المَحافظ الاستثمارية الحديثة (Modern Portfolio Theory) التي تنص على ضرورة تنويع الاستثمارات عبر فئات أصول عدة بما يضمن خفض المخاطر إلى الحد الأدنى.
وأضاف: «سوف نركز على الأوقاف الإسلامية والتكافل (التأمين التكافلي).. هذا النوع من المدخرات في أمسّ الحاجة إلى الاحترافية والاستفادة من نظرية المحفظة الحديثة.»
ويُعد غياب التنويع الاستثماري أحد أكبر المشكلات التي تواجه قطاعات مثل الأوقاف الإسلامية والتأمين التكافلي في البلاد الإسلامية حيث تستثمر معظم أموال الوقف والتأمين المتوافق مع الشريعة في عقارات وأدوات استثمار مباشر مما يزيد مخاطر الاستثمار ويحرم المنتفعين من هذه الأصول من إيرادات محتملة كبيرة.
وأضاف ساندويك: «انظر إلى جامعة هارفارد ومؤسسة بيل جيتس أو إلى صناديق التقاعد الغربية.. من يستثمر 50 في المئة في عقارات أو استثماراً مباشراً؟.. لا أحد.»
وفقاً لنظرية «المحافظ الاستثمارية الحديثة» فإنه يجب تنويع الاستثمارات كافة، وألا تتركز في فئات أو أصول واحدة.
اختيار الأصول
وأشار ساندويك إلى أن إجمالي عدد الأسهم المدرجة في بورصات العالم يربو على 100 ألف سهم يستحوذ 4500 سهم منها (الأسهم المدرجة على مؤشر داو جونز للأسواق العالمية) على نسبة 80 في المئة من القيمة الرأسمالية للأسواق العالمية والتي تبلغ 57.5 تريليون دولار.
وقال إنه إذا خصمنا من مؤشر داو جونز للأسواق العالمية كل أسهم البنوك وشركات التأمين والشركات ذات الأنشطة المحرمة شرعاً سيبقى 2700 سهم حلال بقيمة رأسمالية 20 تريليون دولار «نستطيع الاستثمار فيها على مستوى العالم، وهذا لا يخالف الشريعة.»
وذكر ساندويك أن صفا ستختار من بين 800 منتج استثماري إسلامي متوفر عالمياً لإدارة أموال عملائها.. ومن ثم تقوم التقنية الحديثة الخاصة بصفا باختيار بعضها وفق برامج متقدمة جداً لدراسة هذه الاستثمارات واختيار أفضلها فقط، ثم ندقق في فتواهم لضمان أنها تأتي من مصادر موثوقة.
واستغرق بناء «قاعدة البيانات» الخاصة بالمنتجات الإسلامية «التي تضم أكثر من 800 منتج إسلامي» هذه حوالي 4 سنوات من قِبل شركة «صفا».. ومن دون «قاعدة البيانات» هذه يصعب على أي شركة لإدارة الأصول أن تزعم مقدرتها على إدارة أصول المسلمين بطريقة متطابقة مع الشريعة.
و»صفا لخدمات الاستثمار» متخصصة في إدارة الأصول وفق الشريعة الإسلامية.. ومساهموها سعوديون وتدير خدماتها في السوق السعودي من خلال شركة المستثمر للأوراق المالية.. دويتشه بنك في الرياض هو البنك الحصري الذي تتعامل معه ويقوم بدور أمين الحفظ كذلك.