ويحل علينا الشتاء من جديد، شتاء بلغة الحب ولغة الشوق ولغة الدفء، بزنجبيل حنينه وجمرة عشقه وأنينه، فكل ما في هذا الشتاء جميل، من مطر أحلامه إلى عطر آماله، من برد أطراف أيامه إلى دفء نبض لحظاته، من غيوم متلبدة بالوصال وودق مندلق بالحميمية، الشتاء من أجمل الفصول وأنبل محطات الوصول، تغنى به الشعراء والشاعرات وسمر على جال ضوه المحبين، تحفهم دفء اللحظات، ويرفرف بهم نديف الذكريات، انه جدلية الحضور والغياب وهمسة اللقاء والفراق، فسنجمع بهذه التقنية الزمنية بوح الروح وملامح الجروح.
فللبرد مع البدر.. الأمير بدر بن عبد المحسن:
قصة عشق لا تنتهي وموسم أمطار حنين لا تتوقف، فأتت دلالة البرد عنده كمعادل موضوعي لقلة الحنان، وطلبا للدفء العاطفي، يقول ذات حنين:
بردان أنا تكفى أبحترق ابدفا
لعيونك التحنان في عيونك المنفى
ليؤكد في آخر النص وبصورة تجريدية أن البرد هو الاحتياج للاخر بكل حنانه وتحنانه واجتياحه:
ومن يومها كان الرحيل
وليل الشتا القاسي الطويل
وآه يا الحنين لليل باب له حارسين
برد وسحاب
أما الشاعر ماجد الشاوي فله رؤية أخرى مع البرد حيث تؤثر العوامل الخارجية/ الريح، على مصدر الدفء ومنبع الحنان، فأتت هذه الصورة المتحركة لتحرك ما كمن في أشرعة قلب تتلاعب به ريح البعد وتباريح الوجد:
جيت أبا ادفيك وانشقّتْ علّي الشمال
برد ويدّيْ خليا وانا خلٍ خليل
آه وان جالها بعض السوالف مجال
تلعب الريح بجنوبي ومتني يشيل
وللشاعر نايف الرشيدي مع الشتاء حصار وانصهار، فتتساقط كلماته نديف ذكريات وحفيف حنين ووريف وله، في لغة عالية وصورة تجريدية جميلة:
لا حاصرك ليل الشتاء: هب الحنين
واستوحشت روحك طريق الذكريات
خل المكابر، ارجع، وعذرك سمين
ما دام ما لك عن تفاصيلي غناة!
وللشاعرة أشجان العبد الله (أغراب) مع الشتاء هطول آخر حيث تسير بها قوافي الشتاء نحو مساحات الشوق ومسافات الحنين، متكئة على الزمكانية وحقلها الدلالي للكلمة وما تحمله من طاقة تعبيرية ولغة عالية عميقة أنيقة:
كن الشتاء من شُرفة الوقت.. بيّن
وانا ضلوعي من شتا العام نيّه!
إلى أن تقول مشخصة البرد بخطاب متسربل بالحميمية:
يا برد لا تقسى وقلبي.. حنيّن
والشوق غابر.. والحنايا نديّه
وللشاعر صالح مصلح الحربي مع البرد هروب وجداني حميم، حيث مشهدية الصورة وتضادها حسيا ومعنويا:
عن قاسي البرد خذني في دفا صدرك
تعبت من قسوة الأيام وشتاتك
أما الشاعر نايف الرشدان يأتي الشتاء في رؤيته هذه في حضور ذوقي ( الشتا المر)
( يوم ذقت الدفا) تبعا لجدلية الحضور والغياب:
اعترف لك: نسيتك كل شي اختفى
ماعدا جرح واحد في الشتا المر...
عاد ارتجفت لغيابك يوم ذقت.... الدفا
وانتفض برد ذكرى وش تبي يالرعاد
وللشاعر محمد العمري مع الشتاء رؤية الوداع وموسمية التياع، في بناء شعري عميق أنيق حيث اتساق المعنى في أنساق وتراكيب مبدعة ممتعة:
هذا المساء بارد شعور وهبايب،
نسمة شتاء عدت من البال والباب،
مرت مثل مر العزاء في المصايب،
وودعتها توديع من خاطره طاب!
أما الشاعر نايف صقر فللشتاء معه كينونة الوصال حيث تذوب بها ثلوج الغياب متعديا زمنه الميتافيزيقي إلى زمن حسي وجداني:
ياما دقايق وصالك طولت عمري
وياما الشتا في يديني من يدك ذابي
عقب الظما كنك الما في عطش تغري
والفيه البارده لخطاي وأتعابي
وللشاعر نهار ممدوح مع البرد أيضاً لغة أخرى حيث برودة المشاعر في أطراف الحنين، فجمرة الحضور تلهب لغة الزمان وانثيالات المكان:
البرد ما مرّ في حضرة خليل وخليل
في ليل برد المشاعر فيه موقد جمر
تمر فيه الثواني مثل عابر سبيل
واللي مفارق حبيبه كيف ليله يمر
أما الشاعر طلال صالح العتيبي فيوقد من الغلا جمرا جذوة تضيء معالم الطريق الحسي للآخر، إذ نجد الصورة الشعرية الملتهبة بالعاطفة والوجدان:
برد وجه الليالي والغلا توه بقلبي حار
تدفى فوق جمره لا اشتعلت وجيتلك ساري
وفي حضور آخر تأتي الشاعرة عبير بنت أحمد لتشعل بجمرة الشوق فتيل المشاعر لتضيء بها فضاء الزمان والمكان بدلالة وجدانية متشظية شعرا وشعورا:
برد الشتا قيظ عندي لا نويت الجفا
احس به وانت تتصدد وعيني تشوف
وإلا أنت تدري بجمر الشوق ماقد طفى
وان جيتني ذبت كني عطر بين الكفوف
ويحل علينا الشاعرعمر المسفر بقالب وشكل فني آخر ليتحفنا بهذه الصورة اللونية والسمعية برؤية ورؤيا جديدة:
موشتا.. بس السهر بردان فيني ولا الليلة ينام
والكلام اللي انتفض بردان ما وصل لسمعك..
عاد واتلحف ضلوعي أغفرلي..
لأجل اعيش ابتسامة في عيون الناس صفرا..
وغفر لي.. في عيونك موطني أخضر وشمسك باردة مثل الشتا.
وللشاعرة عاصية الدمع مع البرد رؤية الأنا التي جعلت منها ثيمة مركزية لهذه الصورة الشعرية ودلالاتها التي استقتها من الطبيعة حولها كتعبير عن الذات التي تواجه بكل قوة واعتزاز:
يعيشني اللي عاش جرد العصافير
في ليلة بارد شتاها بلا ريش
على غصن يتبع هبوب المقادير
في جرهدي ن مالفى به مطاريش
ويطل الشتاء على الشاعرة رزان العتيبي بحضور آخر، حيث تشعل بحطب الذكريات نارا تصطلي عليها بكل أحزانها وأمزانها، لنجد الصورة الحسية تتضافر مع اللغة الحدسية بحضور فني عميق أنيق رؤية ورؤيا:
طلّ الشتا من شرفة الوقت وامسيت
اجمع حطب ذكرى حنين ومواجع
حتى ليا هبّت جروحي تدفّيت
واشعلت حزني دون أية تراجع
أما الشاعرة لولوه الدوسري فيمثل الشتاء عندها جدلية الغياب المنهمر كأمطار شتوية لا تتوقف، فيشكل الشتاء عندها هاجس وجس بإشراقة وبناء فني جميل حيث تقول:
وإلى اقبل البرد قلت بشوق ذاعشقي
حتى ولو غيبتك خلتني اخافه
جب لي بشر في ظلام الليل ما تشفي
وأنا ارد اشتياقي فيك واعافه