تعد المواقع الأثرية في عنيزة ذات طابع تاريخي تحمل حكايات حقبة تاريخية من الزمن وتؤرخ للكثير من الوقائع والأحداث التي مرت بها عنيزة أو أنها تسجل مرحلة مهمة في حياة السكان عبر تاريخ طويل لذلك المجتمع الصغير بما يتميز به من ثقافات اجتماعية وعادات وتقاليد سجلها التاريخ، ومن أبرز المعالم الأثرية في عنيزة منارة الجامع التي لا تزال قائمة في مكانها ملاصقة للجامع الكبير الذي أطلق عليه فيما بعد جامع الشيخ ابن عثيمين، وهذه المنارة التي شيدت في عام 1307هـ على ارتفاع 23 متراً ويبلغ سمك الحوائط من أعلى نقطة بالمئذنة 15سم لكنها من الأسفل عند سطح الأرض واحد متر وخمسين سنتمتراً ستظل علامة بارزة في محافظة عنيزة.
لقد كانت منارة الجامع مركز إشعاع علمي تخرج منه على أيدي أصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء على التوالي الشيخ صالح القاضي والشيخ عبدالرحمن بن سعدي والشيخ محمد بن عثيمين غفر الله لهم جميعاً، أقول تخرج منها الكثيرون من طلبة العلم الذين نهلوا من العلم الشرعي والفقهي على أيدي هذه النخبة الفاضلة من العلماء الذين تعاقبوا على إمامة هذا الجامع وتولوا الخطابة فيه وجلسوا للتدريس في هذا الجامع، وتشمل هذه المنارة الشامخة بصوت الحق والعلم والمعرفة على أربعة أدوار خصصت للتدريس وفي الدور الثالث يوجد مكان التدفئة المعروف في نجد باسم (الوجار). وقد كان أول من استخدم هذه المنارة للجلوس للتدريس فيها فضيلة الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب المتوفى سنة 1150هـ رحمه الله، وقد تخرج على يديه الكثير من طلبة العلم وبفضل هذا العالم الفاضل ظهرت في عنيزة نهضة علمية جيدة، ويوجد بداخل المنارة عدد من المعالم الأثرية التي توحي ببساطة الحياة وجلسات العلماء فيها وتواضع تلك الجلسات، رغم ما لها من قيمة علمية وفقهية وشرعية. إن لمنارة جامع الشيخ قيمة لا تنكر، فهي تجمع بين قيمتها كمركز إشعاع علمي ثقافي ومعرفي في الفقه والشريعة وكونها معلماً تراثياً وتاريخياً يعبر عن أصالة المجتمع وثقافته وعلمه ورفعة شأن مجتمع عنيزة، بما فيه من البساطة والعفوية في ذلك الزمن الجميل، حيث أدرك المجتمع البسيط أهمية العلم والمعرفة والحفاظ على أصالة تاريخه وتراثه، وستبقى منارة الجامع في عنيزة رمزاً للعلم، وشاهداً على الأصالة والتاريخ، ومؤشراً على ما يتمتع به أهل عنيزة من حب للمعرفة والعلم والثقافة وتمسكهم بالأصالة والتراث.