ظاهرة (التفحيط) من الظواهر التي تنتشر وتتفاقم أخطارها، ويرتفع أعداد ضحاياها، ولم نستطع حتى الآن محاصرتها ناهيك عن اجتثاثها. العقاب منفرداً لا يمكن أن يجتث هذه الظاهرة؛ فكل ظاهرة اجتماعية لا بد أن يكون لظهورها بواعث ومبررات موضوعية، دفعتها إلى الظهور على السطح. التفحيط إحدى هذه الظواهر، وهو موجود - بالمناسبة - في كل دول العالم، لكنه لا يُشكّل هناك ظاهرة خطيرة ومنتشرة؛ أحد أهم الأسباب أن وسائل الترفيه والتسلية في المجتمعات الأخرى متنوعة ومتاحة للشباب ولغير الشباب، ويحميها القانون، بينما هي في مجتمعاتنا محاصرة؛ أما بسبب عدم (تنظيمها) والاهتمام بها، أو لأن (العيب) اجتماعياً يكتنفها، أو (الحرام)؛ وأدق مثال على ذلك عدم اكتراثنا بغياب قاعات السينما والمسرح مثلاً، وكذلك خوف المستثمرين في الترفيه من (تضييق) الممانعين من هيئات الأمر بالمعروف أو المحتسبين (المتطوعين)، الذين لا يهمهم في احتسابهم مدى انعكاس هذه (الرقابة) - وبعضها مُتعسف - على الاستثمار في المنشآت الترفيهية؛ ما يؤدي في نهاية المطاف بالاستثمار الترفيهي غالباً إلى الخسارة والإفلاس، أو الهجرة إلى دول الجوار.
النقطة الثانية تتعلق بظاهرة التفحيط نفسها.
لماذا لا نعترف بها كرياضة لها ممارسوها ومتابعوها بل عشاقها من الشباب؛ ومن ثم تُقيم الحكومة من خلال القطاع الخاص لها أندية تعنى بهذه الظاهرة، وتنشأ لها حلبات ومسارات للتنافس، يتم تصميمها بعناية، فيها يُمارس عشاق هذه الهواية هوايتهم بأقل قدر من المخاطر. نعم، هي هواية خطيرة، وربما أنها كذلك (مميتة)، لكن هذا لا يمنع من تنظيمها، ومحاصرة خسائرها في الأرواح والممتلكات قدر الإمكان؛ لتكون متنفساً لمن تشدُّهم هذه الظاهرة، سواء من ممارسيها أنفسهم، أو من يستمتعون بمتابعتها؛ فسباق السيارات - مثلاً - من الرياضات المعتمدة والمعترف بها في العالم المتقدم، مع أنها خطرة، وتحصد أرواح بعض ممارسيها أيضاً بشكل مستمر، إلا أن ذلك لم يمنع من تنظيمها هناك، والاعتراف بها كرياضة معتمدة، وإعداد ساحات مهيأة جيداً للمتنافسين، وكذلك مقاعد للمتفرجين.
وليس لدي أدنى شك أن (أندية رياضة السيارات) فيما لو أُنشئت، ونُظمت، وتم الاستثمار فيها، وسُنَّ لها أنظمة روعي فيها ضوابط السلامة قدر الإمكان، ستكون - بلا شك - مُتنفساً ترفيهياً لهؤلاء الشباب، ومرفقاً سياحياً مهماً. وفي الوقت ذاته، تتم عملياً (محاصرة) هذه الظاهرة مع الزمن من خلال تنظيمها والاعتراف بها؛ كما أن (نجومها) سيظهرون من تحت الأرض إلى فوقها؛ فليس ثمة سبب للتخفي والاختباء أو (التلطم)، ولاسيما أن هؤلاء النجوم سيصبحون نجوماً معروفين، تتنافس على التعاقد معهم شركات الإعلان والتسويق لترويج منتجاتها؛ ما يضطرهم إلى الانضباط والتصرف بمسؤولية كما يتصرف نجوم الألعاب الرياضية الأخرى. والأهم أننا بذلك سنحاصر التفحيط غير المقنن والمنفلت شيئاً فشيئاً، من خلال تنظيمه والاعتراف به كرياضة معتمدة ومرعية.
أعرف أن وجود هذه الأندية لن يقضي على ظاهرة (التفحيط) بشكل فوري وتلقائي؛ فسوف يكتنف هذه الأندية بعض القصور والفشل في بعض جوانبها، خاصة في بداياتها، إلا أنها من خلال التجريب والتطوير والإصرار والمثابرة ستتشكل كمنشآت رياضية لها روادها ومتابعوها على أرض الواقع، وسيكون لها حتماً دور فاعل ومفصلي في حصار هذه الظاهرة شيئاً فشيئاً. المهم أن ندرك أن المنع والعقاب لا يمكن أن يؤديا إلى محاصرة هذه الظاهرة إذا لم يوازي هذه القوانين العقابية الصارمة (مُتنفس)، من خلاله يقوم الشباب بممارسة هذه اللعبة أو الاستماع بمتابعتها. بهذه الطرقة - في تقديري - نستطيع أن نحصل على حلول إيجابية، تترسخ وتتجذر مع الوقت؛ لمحاصرة هذه الظاهرة المميتة.
إلى اللقاء.