استكمالاً أو إيضاحاً لما طرحناه في المقال السابق حول الصوت المهني.
أوضح في البداية أنها ليست المرة الأولى التي نطرح فيها هذا الموضوع، لكن تواضع التطورات الحاصلة فيه يجعله موضوعاً يستحق الإعادة والتذكير. هناك ثلاثة أضلاع رئيسية يجب تواجدها بحيث يشكل التفاعل والعلاقة الرقابية التي تشكلها كل منها على الأخرى الضابط الديناميكي الذي يسهم في حماية الحقوق المهنية وحقوق المستهلك وحقوق المستثمر كذلك:-
الأول: القطاع الحكومي ويتولى وضع النظم والتصريح والإشراف الإداري أو الفني على أعمال القطاع الخاص بشكل عام.
الثاني: القطاع الخاص ويتولى تقديم الخدمات والسلع سواء الخدماتية أو التجارية بمختلف أنواعها، وفق آلية ربحية بالدرجة الأساسية.
الثالث: قطاع المنظمات والهيئات الأهلية المهنية والاجتماعية والمدنية المختلفة، وهذا القطاع بجمعياته واتحاداته ونقاباته يشكل الحلقة التي تراقب حقوق العاملين في القطاع الأهلي بمؤسساته الخاصة.
وكذلك حقوق المستفيد النهائي من منتجات القطاعين الخاص والحكومي. والأهم من ذلك تشكل الصوت الواعي المتمكن الذي يمثل العاملين في المهنة، أياً كانت المهنة.
محلياً يعتبر الضلع الثالث هو الغائب الأكبر رغم ضرورته لضبط العلاقة بين الأضلاع الأخرى وحفظ التوازن في العملية التنموية، التي لا نرجو لها أن تتحول إلى مجرد تجربة مادية خالية من عناصرها الإنسانية وينقصها المرجعية المهنية العلمية المقنعة. بغياب الضلع الثالث يغيب الصوت المهني ودوره الفاعل الذي تمثله الجمعيات والاتحادات الأهلية المهنية والعمالية المتخصصة التي تساهم في تنظيم المهن وتشرف على تطور المهن وتحافظ على حقوق العاملين والمستفيدين في مختلف المهن والتخصصات.
ربما يأتي من يدعي بوجود جمعيات في بعض التخصصات، وهنا لابد من الإيضاح - بعيداً عن المسميات- أن الجمعيات القائمة هي جمعيات أكاديمية هشة التكوين متواضعة الأداء مهمشة الأدوار.
جمعيات ليست مهنية بمفهوم تمثيلها لصوت المهنة والمهنيين وإنما هي تعليمية تشكر إن هي أقامت ندوة أو نشرت مجلة بحثية.
ولكي تكون ذات فعالية كما أتصور أعلاه في التنمية المهنية والوظيفية وفي الحفاظ على الحقوق المختلفة للمنتمين إليها والعاملين في المهن المختلفة وللمستفيدين من المهن التي تقدمها، فإنها بحاجة إلى تغيير جذري في مرجعيتها ونظمها ولوائحها وصلاحياتها.
تغيير يقود إلى أو يستبدل الجمعيات القائمة بجمعيات أو نقابات أو هيئات مهنية أهلية متمكنة يسندها نظم فعالة تقدر أدوارها المهنية والتقويمية والرقابية المتعددة التي يراها أصحاب المهنة والعاملون فيها وليست تلك التي يفرضها الإداري.
لقد أصبح واقعا لا ينكر تفشي البيروقراطية السلبية في الجهاز الحكومي، فوضوية كثير من المؤسسات وبالذات الأهلية في تعاملها مع منسوبيها ومجتمعها، ضخامة العبء الملقى على الجهات الرقابية والإشرافية الحكومية في هذا الشأن وعدم قدرة كثير منها على الوفاء بكامل المهام المناطة بها، و تدني مستويات الأداء في عدة مهن ومجالات.
من هنا فإن الدعوة إلى تكوين الجمعيات والاتحادات المهنية الفعالة يهدف إلى خدمة القضية التنموية والإدارية والاجتماعية والمهنية بصفة عامة، ويهدف إلى تشكيل دعامة للقطاعات الحكومية والخاصة والأهلية، في خدمة المواطن والمقيم المستهلك وموفر الخدمة ومؤديها بصفة عامة وفي خدمة أصحاب المهن والارتقاء بصوتهم الذي يمثلهم بشكل حقيقي.
الموضوع يشمل كافة المجالات وما تمثيلي بالخصخصة والسعودة في بداية المقال السابق سوى محاولة لتقريب وإيضاح الصورة في ذهن المتلقي.
السؤال الذي نختم به هو: أين نظام مؤسسات المجتمع المدني، الموعودون به منذ سنوات عديدة؟.