قرأت مقال الكاتبة سمر المقرن (جبل القارة الحزين) بصفحة الرأي بالجزيرة، عدد 14933 في السبت 10 شوال 1434هـ، وأحببت أن أشير إلى أن هناك جبلاً حزيناً آخر، هو جبل القشيع الحزين بمحافظة الرس.
القشيع اسم عام، يطلق على جبلين بلفظ (القشيعين)، وكانا تاريخياً يعرفان (بالأنعمين)، وموضعهما مكان مألوف لدى أهالي الرس، على مسافة لا تزيد على 10 كم جنوب المحافظة، وهو على قسمين: شرق وغرب الخط المتجه إلى (أم القرى) القصيمية دخنة. صخور صماء صلبة، رمادية الألوان، موشحة بالسواد والبياض ومزيج من الحمرة. قبل عقود من الزمان كانت هي (المكشات) والمتنزه القريب للأهالي إلى جانب غيرها من الجبال والوديان والشعاب والفياض.. نسج هذا المكان ذكريات جميلة وقصصاً وحكايات؛ فكان ملتقى الأحبة والصحب والأصدقاء.
استهوى وجدان الشعراء، وكان حاضراً في وجدانهم وقصائدهم، وقبل هذا كان لهذا المكان مكانة خاصة وعاطفة جياشة فاضت بها قريحة الشعراء.
قال شاعرهم سرور عودة الأطرش:
يا صاحبي عنه (الأقشيعين) من غاد
في ماقع ما هو همج شرابه
بايمن حزوم الرس مقلط الواد
سقاه من نوا الثريا سحابه
وورد على لسان الشاعر صالح عبدالله العطني، وأتى به على صغية الجمع:
يا الله من مزن نخيله تبنى
وبله على عالي القشيعات غطاه
وإلى انحدر جعله وطنا
عساه يزي العاقلية ومجراه
وقال الشاعر حسين عبدالله حسين العواجي رحمه الله:
طالع فوق القشيع الجبل مثل الرقيب
ضابطاً قوله بتوكيد ما فيه ارتباش
أما الشاعر سليمان صالح الجربوع فكان له بوح قال فيه:
والله ما أنسى ديرة الحزم ساعة
يا كيف أبنسى كيرها والقشيعين
كان القشيع مكاناً مضيافاً، وربما نحرت حوله الخرفان والقعدان للترحيب بضيف زائر أو عقيقة مولود جديد.. فكان متنفساً يعج بالمتنزهين، ولاسيما مع اعتدال الجو ونسيم الليالي.. لقد كان جزءاً من نسيج الأهالي في حياتهم، ملاذاً للتنفيس عن همومهم.. كان جبلاً عظيماً لا يضيق ذرعاً.. لا يكل ولا يمل، وكأنه يقدم الحنان، وله جلسة سحرية جذابة.. ربما أزال هموم من لجأ إليه وتنفس في مكانه.
قبل أكثر من عقد من الزمان امتدت إليه يد العطف والحنان، وأدارت البلدية (وجهها) نحوه بنظرة حانية ومواساة؛ فشرعت تهذب وتجمل وترسم وتبني.. نظرة موسومة جعلت المكان ملتقى الأهالي في ليالي عيدهم وأفراحهم.. زرعت السعادة هنا وهناك، وأضاءت قناديله، وجعلت ليله سعيداً ونهاره أنيساً.. صنعت ذلك المدرج (الروماني) الصغير، والمسرح الذي شهد حفلات المرح والفرح.. كان (عكاظ) مصغراً، نثرت فيه أبيات القصيد.. والرواية والحكاية واللعبة البهيجة والرقصة الجميلة.. وأكل فيه الثريد والعصيد.
والآن بدأ الجبل يدخل في زمن السنين العجاف، وأصبح - كما يُقال - خارج التغطية الخدمية!! وبعيداً عن اهتمام بلدية الرس!! بل حجارة منسية وذكرى حزينة وبيتاً (خرباً)، عصفت به عوامل التعرية النفسية والاجتماعية..
مررت به فشكا إلي آلامه وأحزانه، وكأنه يقول لماذا هجروني؟! ما ذنبي؟! قرأت في كيانه نبرة الحزن والتعب! قائلاً أعيدوا إلي الحياة؛ أنا جزء منكم!! ونحن أمة (الحزم) لا نعرف الحكاية، وهل انتقلت الوصاية على المكان من البلدية إلى الزراعة، وأصبح خارج النطاق العمراني والخدمة السابقة؟..
أرجو إعادة النظر إلى هذا الجبل بصفة استثنائية وما يحيط به؛ ليبقى متنفساً (صخرياً) للجميع.