ليست حادثة التحرش التي وقعت في أحد مجمعات الظهران التجارية الأولى، ولن تكون الأخيرة؛ فقد سبقتها مئات الحالات في مدن عديدة وفي مناسبات مختلفة؛ فمن منا ينسى حادثة تحرش شارع النهضة، أو ما يحدث في المناسبات الوطنية، أو في المجمعات الكبيرة في الرياض أو جدة أو الدمام أو الخبر وغيرها.
توقفنا حادثة الظهران كما أوقفتنا من قبل حادثة شارع النهضة على أننا - إن لم نفعل ما يجب - سنواجه حالة من الفوضى الأمنية والأخلاقية لا يستطيع المجتمع مواجهتها في المستقبل؛ فالأرقام مخيفة جدا، وما لا يعلن عنه أكثر مما يعلن، وما لا تلتقطه الكاميرات أو يبلغ عنه أكثر مما يتم رصده بالصورة أو بالبلاغات الرسمية؛ ففي المنطقة الشرقية - مثلا - تم رفع 224 قضية تحرش إلى المحاكم خلال ثمانية أشهر فقط، منها 120 في الدمام، 70 في الأحساء، و20 في الخبر، و3 في الجبيل، وواحدة في القطيف، ولو ذهبنا نستقرئ ما يرفع إلى محاكم الرياض أو جدة أو مكة أو المدينة أو أبها وغيرها لأصابنا الألم والامتعاض، مما بدأنا نراه خلال السنوات الأخيرة من سلوك طائش واستهتار بالقيم والأخلاق وحقوق النساء والعادات الاجتماعية الحسنة؛ لقد شاهدت في طريق الملك فهد مجموعة من الشبان يوقفون في وسط الطريق عائلة ليس معهم إلا سائقهم ويحاولون فتح باب السيارة لإعطاء إحدى النساء رقم جوال والنساء يتصايحن رافعين أصواتهن، وعلى الرغم من أن السير يكاد يتوقف في الشارع كله بممراته الثلاثة لم يتقدم أحد لردعهم أو تخليص النساء من أولئك المستهترين؛ وحين رفعت هاتفي الجوال أمامهم لأشعرهم بأنني أتحدث إلى دوريات الأمن فروا مسرعين، وقد بلغت بالفعل عن هذا الحدث وأمليت أرقام السيارة على خط استقبال البلاغات!
الأمر المثير في حادثة الظهران أن الوقت الطويل الذي استغرقته مطاردة النساء لم يدفع إلا ثلاثة من شبابنا الرائعين لمحاولة صد الشبان عن الاعتداء على النساء، ولكن لم نر أحدا غيرهم ممن يتسوق وهم بالتأكيد كثيرون وكأن الأمر عادي، ولم نر أحدا من حراس أمن المجمع التجاري الذي صرح أحد المسؤولين عنه لإحدى الصحف بأن عددهم 150 حارسا وفي الذروة كالأعياد يصل إلى 200 فأين كانوا حين حدثت هذه الواقعة المشينة وبخاصة أن بدايتها كانت في المجمع وانتهت خاتمتها السيئة بالاعتداء في مواقف السيارات؟!
قد يقول قائل: إن بعض الفتيات يغرين الشبان بما يبدينه من زينتهن؛ والرد على هذا القول كيف لا يقع التحرش من شبابنا أو غيرهم حين يكونون في دول الخليج الأخرى كدبي أو البحرين وهم يرون نساء من جنسيات مختلفة أجنبية وعربية لا يستترن مثلما هي عليه حالة المرأة السعودية ؟! وكيف لا يحدث تحرش من شبابنا حين يذهبون للسياحة أو الدراسة في البلدان الأوربية أو في أمريكا وأمامهم وبين أعينهم المرأة التي تلبس القصير أو أحيانا «المايوه « على الشواطئ؟!
ولا إجابة غير أن عقوبات التحرش في تلك الدول، وحتى في دول الخليج التي ذكرتها قاسية جدا وتطبق تطبيقا صارما لا رحمة فيه ولا وساطة ولا تسامح؛ ففي إحدى دول الخليج يعاقب المتحرش بالسجن أشهرا طويلة وبالغرامات المالية وبالتشهير بنشر صورته في الصحف!
السبب الرئيس في انتشار هذه الظاهرة المسيئة لدينا يعود إلى التساهل في تطبيق الأنظمة، وتدخل الشفاعات في العفو عن المدان، والاكتفاء بالتعهد أو بالإيقاف المؤقت إلى أن تهدأ ردود الفعل على القضية.
إنني من الداعين والمطالبين بضرورة إعادة الانضباط إلى الشارع السعودي بالحزم واستعادة هيبة رجل الأمن وتطبيق عقوبة التحرش بجلد المتحرش في المكان الذي اقترف فيه جريمته والتشهير به في الصحف؛ فليس الغش التجاري أو التزوير بأسوأ من الغش الأخلاقي أو التزوير في قيم جيل مقبل على حالة انفلات الله وحده أعلم ماذا يمكن أن تصل إليه؛ السؤال: أين كان رجال الأمن؟!