حوادث التحرّش بالنساء، والتي باتت تتفاقم في ظل عدم وجود قوانين رادعة ضد كل من تسوّل له نفسه، أن يقوم بلفظ أو فعل ضد المرأة. ويشمل التحرّش الجنسي بحسب تعاريف عالمية: هو كل تصرّف يبدر من طرف تجاه طرف آخر دون رغبته، ويشمل اللمس والكلام والمحادثات التليفونية والرسائل عبر الهاتف والمحمول والإنترنت. أظن أنّ هذا كله ما زال لدينا ويخضع في عقوباته للاجتهادات الشخصية، سواء الأمنية أو القضائية، دون نصوص مكتوبة يعرف بواسطتها كل طرف ما الذي له وما الذي عليه، بالضبط مثل قانون الجرائم الإلكترونية، الذي رفع مستوى الوعي القانوني بشكل كبير، وهذه القوانين هي التي ترفع مستوى الوعي بشكل عام، لا أحكام تخضع لاجتهادات شخصية إذ يدخل الشخص إلى قاعة المحكمة وهو لا يعرف ما الذي سيستقبله؟!
إنّ التحرّش الجنسي وإنْ كان ظاهرة عالمية، فهو يختلف في مجتمعنا كثيرًا، إذ إنّ التراكمات الفكرية والنظرة الدونية تجاه المرأة، وتبرير التحرش بها، هو لا يكاد يقل قُبحًا عن فعل التحرش نفسه، ففي كل المجتمعات العربية والإسلامية والعالمية لا نكاد نجد من يبرر التحرش بالمرأة - إلاّ ما ندر -، في حين نجد في مجتمعنا من يبرر هذا بقوله خرجت كاشفة وجهها أو بلا محرم، في تأكيد على فكرة أنّ المرأة لا يحميها إلاّ الرجل وهي ضعيفة وعاجزة عن حماية نفسها! هذه الأفكار بحد ذاتها تحتاج إلى تدوير وتنقية من براثن الجاهلية التي مضى دونها الزمن ولا زالت تنمو وتتكاثر في الفكر المجتمعي، وبقاء هذه الأفكار ونماؤها مسؤولية حكومية وقانونية وتربوية، يجب أن تجد الحزم في محاربتها، فليس بالمنطق تبرير الأفعال المشينة والجرائم العنيفة وإلقاء اللوم في كل حال على المرأة، وكأنّ الرجل لا بد أن يكون متوحشًا ومُجرمًا، وكأننا نعيش في غابة لا في حياة مدنية، ينبغي أن تحيطها القيم التربوية والحدود القانونية التي تنفض عن هذه الأدمغة غبار الجهل، وإعادة النظر إلى المرأة كإنسان يجب احترامه لأنه عقل وفكر وكيان، لا جسد يجب امتهانه!
المثير في ردود الأفعال غير التبرير للمجرم المُتحرّش، هو برودة الدماء وقلّة النّخوة، وانعدام الإنسانية، كالذي شاهدته في مقطع منشور بموقع يوتيوب لمجموعة من الشباب الضال وهم يطاردون ثلاث فتيات أمام أحد المجمعات بالمنطقة الشرقية، وصلت هذه المطاردة إلى حد الاعتداء باليد على الفتيات وعشرات “الذكور” يتابعون المشهد دون نخوة ولا شهامة، ولم يرفع أحدهم صوته حتى بكلمة عيب! إنّ هذه المشاعر السلبية تجاه هذا المشهد هي موت إنساني وأخلاقي، في مجتمع كنا نظن أنّ قيمه الدينية والتربوية قد منحت هؤلاء - وإن كانوا قلّة - الحد الأدنى من الأخلاقيات، في حين لو حدث مثل هذا المشهد في أي بلد غير إسلامي، فسيقف كل المتواجدين ضد هؤلاء ولن يصمتوا وهم يشاهدون فتيات يتم التلفُّظ عليهن بأقذع الكلام بل وأيدٍ ترتفع على نساء - شلّ الله هذه الأيدي - والناس تتفرّج، بينما لن تتفرّج في تلك الدول التي لم يدرس فيها أهلها أربعون حصة دين أسبوعيًا، ولم يتسابق فيها أحد على حفظ الكتاب والسنّة!
إنّ قضيتنا الأخلاقية وأزمتنا الإنسانية أننا مجتمع أجوف مُفرغ من هذا كله!