خلال الأسبوعين الماضيين امتلأت تناولات الصحف محلياً وخارجياً بمئات المقالات عن موضوع « قيادة المرأة للسيارة في السعودية». كما سارعت الفضائيات العربية والأجنبية الى اجراء حوارات مع أطراف متعددة من أطياف المجتمع السعودي حول القضية التي هرمنا في انتظار اتفاق نهائي حولها، حيث السعودية هي الدولة الوحيدة التي لا تسوق فيها المرأة السيارة. ومعلوم أن مطلب السماح بالسواقة تفجر أثناء حرب الخليج بمبادرة من 14 سيدة من خيرة نساء المجتمع المثقفات والمسؤولات، خرجن في مسيرة بمدينة الرياض يسقن سياراتهن للفت النظر إلى الموضوع المعلق. ولكن ربما بسبب حساسية التوقيت من حيث تأزم الوضع سياسياً، وربما بسبب كون سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أوج عنفوانها ورفضها للوجود الأجنبي في المنطقة وقتئذ، لم تؤت المسيرة ثمارها. وانتهى الأمر بالسيدات اللواتي بادرن بها الى التوقيف وتوقيع تعهد منهن ومن أولياء أمورهن بعدم إعادة المحاولة. بل وفقدن وظائفهن ومميزاتها ونالهن من تعنت المجتمع الشيء الكثير.
عادت المطالبة بالقيادة مرة أخرى الى السطح قبل ثمانية أعوام مع استنفار اهتمام وسائل الإعلام الفضائية. ومرة أخرى أوقفت السائقات وتعاملت السلطات معها بنفس التوجيهات القديمة رغم تغير الأوضاع السياسية والمجتمعية وتعاطف قطاع كبير من المجتمع المحلي والخارجي.
وقد سبق أن طرح زميل سابق في مجلس الشورى قضية سياقة المرأة، ولكن محاولة إيصالها للمناقشة أجهضتها بمبررات إجرائية. وبذلك تفادى المجلس أن يجر إلى معمعة حرب التوجهات بين تياري المجتمع، ولكنه بهذا الخيار فقد فرصة القيام بدوره الأهم وهو توجيه ريادة التغيير المقنن عبر دراسة الموضوع علمياً وتقديم النصح حوله الى صانع القرار. وربما كان من أهم توجسات التيار «المتشدد»، داخل الشورى وخارجه في المجتمع العام، أن قضية سياقة المرأة ستكون من أول اهتمامات أعضاء الشورى المستجدين في الدورة الجديدة ضمن التوجه الرسمي بـ»تمكين المرأة» و»تطوير المجتمع الوسطي والمعتدل». وقد سارع أفراد معارضون إلى إعلان موقفهم من القضية ومهاجمة سيدات الشورى بأقذع الأوصاف والاتهامات حتى قبل أن يطرح موضوع السياقة في قاعة المجلس.
وما أعاد فتح الموضوع القديم، الذي لم يبت فيه حتى الآن، هو أولاً: بيان «القيادة اختيار وليس إجبار» مرتبطاً بما أعلنته مجموعة من السيدات على تويتر بأنهن قررن المبادرة بقيادة سياراتهن؛ ثم ثانيا: خبر التوصية التي قدمتها ثلاث من أعضاء مجلس الشورى للسماح بقيادة المرأة للسيارة مرفقة بدراسة شاملة لموضوع سياقة المرأة وما يحيط به من حيثيات. ولا يربط البيان بالتوصية سوى كون سياقة المرأة وحرية حركتها موضوعاً مصيرياً بالنسبة لفئة واسعة من المجتمع ولهيئة حقوق الإنسان، والإيمان أن الأوان قد حان لاتخاذ قرار رسمي واضح يسمح بالسياقة لمن تحتاج أن تسوق، ولا يجبر من لا تريد أو لا يريد لها ولي أمرها أن تفعل.
ما الذي انتهت إليه التوصية في مجلس الشورى؟ رغم كل التناولات الإعلامية ما زال الأمر غامضاً حتى الآن وقد يتضح أكثر في الجلسة اليوم بعد إجازة العيد.
أما سياقة السيدات بصورة فردية فقد بادرت عشرات النساء بسياقة سياراتهن في الشوارع بكل مناطق الوطن.. ولم تقع السماء على الأرض. حياهن البعض مبتسماً وأعطى المرور البعض مخالفات لعدم حيازة رخصة سياقة. لم تشتعل إلا شوارع تويتر بصراخ محتقن حول موضوع بت فيه العالم بأسره، وقضية ليست قضية شرعية أو قانونية. سيحلها في رأيي قرار من فوق يمنحها حق الاختيار وينهي الجدل العبثي.