يتردد كثير من الناس في الاعتراف بجواز سياقة المرأة للسيارة، لأدلة يرونها راجحة من وجهة نظرهم، وحيث إني أرى خلاف ما يرى هؤلاء، لأنّ ما يستدل به معارضو سياقة المرأة للسيارة أنّ سياقتها موجبة لنزع الحياء، وأنا أقول إنّ قيادتها لسيارتها أكثر ستراً وتحشماً من ركوبها مع سائق خاص أو سائق سيارة أجرة، ونرد على من قال بأنّ قيادتها للسيارة موجبة لنزع حجابها، بأنه يمكن للمرأة سياقة السيارة دون نزع لحجابها، وعلى فرض صحة ما ذهبوا إليه، فمسألة تغطية وجه المرأة محل اختلاف بين أهل العلم المعتبرين، كلٌّ اجتهد رأيه ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، أما من عارض سياقة المرأة بحجة أنها ستكون طليقة حرة تذهب متى شاءت وكيفما شاءت، فهذا بجانب للصواب، حيث إن الخروج من المنزل جائز ما لم يتعارض مع أحكام شرعية أخرى، ثم إن الخروج لن يكون إلا بإذن زوج أو أب أو ولي أمر هو أعلم منا بحاجة ومبرّرات خروجها ولن نكون أكثر حرصاً من أب أو أخ أو زوج.
أما من يعارض سياقة المرأة للسيارة لأنها وسيلة لتمرّد المرأة على زوجها وأهلها، فنرد على ذلك من عدة وجوه، منها أن الأمر فيه تعميم دون مستند شرعي والأصل السلامة، ومنها أن المتمردة ستبقى متمردة فمن استطاعت أن توفر قيمة سيارة فلن تكون عاجزة عن أن تمارس تمرّدها بعشر ريالات تركب بها سيارة أجرة ليأخذها إلى أي مكان هي تريد، ومنها أنّ المتمرّدة لا تبحث عن الطرق النظامية بل تبحث عن مخالفة النظام، فحينئذ لن تكون متمردة. أما من يعارض سياقة المرأة لوجود الفتنة حين وقوفها بسيارتها عند محطات الوقود أو الإشارات الضوئية، فلا فتنة نراها، حيث إن المرأة تكون أساساً بجوار أبيها أو زوجها أو أخيها أحياناً عند تعبئته للوقود أو وقوفه عند الإشارات المرورية، وذلك قبل السماح لها بالسياقة، كما أن المرأة تكون راكبة مع سائق أجنبي حين تعبئة الوقود وعند الإشارات المرورية وهو أشد وأضر. أما من عارض بسبب سياقتها في الازدحامات، فإنا نقول إن كان يقصد بالازدحام الفتنة فسبق لنا الرد على هذا، والحج أكثر زحاماً وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، أما من رأى المعارضة لحجة أن الزحام سيزيد فهذا سبب لا يوجب المعارضة، حيث إن الخطأ يقع على عاتق إدارات المرور. أما من عارض سياقة المرأة للسيارة بحجة أنها ستعرضها لمضايقات، فإنا نرد بأن الشارع الحكيم كافل وحافظ لمثل هذا، وكذا الأنظمة مؤكدة وصارمة، ولو عارضنا سياقتها لسيارتها للزم معارضة مشيها على قدميها فمضايقة الماشية أسهل من مضايقة الراكبة.
وإني لأدعو لجهات المعنية بالسماح للمرأة بسياقة السيارة بعد تقنين السن النظامية لها لسياقة السيارة، ومنح شركات التأمين ترخيصاً للمساعدة على الشوارع والطرقات واعتماد رخص السياقة بنظام البصمة، وبعد ذلك من أراد أن يمنع من يعيل فله ذلك، ومن أراد أن يسمح فله ذلك، ولا وصاية لأحد على أحد إلاّ وفق الشريعة الإسلامية السمحة أو الأنظمة المرعية.