يصحو الفجرُ متكئاً على أيكها العاجي، ويزهو الزيتون على سفوح جبالها فيرتسمُ على وجنتي الشفق قصيدة حب خالدة، هي البلدة التي يفوح من أكنافها رائحة الخبز والزيتون والزعتر، فيها الفلاحات أنجبن الرجال.. الرجال، فرفعوا اسمها عالياً وأسكنوها في قلب مملكة الشوق، فيها للروعة مكان، وللأصالة مكان آخر، وإن سألت عنها فاسأل مسجدها المملوكي، ومئذنته القديمة والتي تشمخ كبوصلة نحو القدس، أو اذهب إلى مقام الشيخ رابح ومقام الشيخ عطا، أو سر في أزقتها المتعرجة..!! ستجدُ أن التاريخ نقش على حجارتها أخاديد، ولوَّنها الزمن بألوان تدخل القلب وتزهو النفس بما ترى، لتذهب بين تفاصيل الدهشة بذاكرتك إلى من كانوا هنا على أرضها مستذكراً سيرة العمات والجدات والخالات والعلماء الذين كانوا كتبوا التاريخ بأحرف من نور ليبقى المسجد والمدرسة العثمانية شاهداً عليهم، منارة علم للعابرين.
حجة البلدة الفلسطينية الوادعة والتي تقع على تلة متوسطة الارتفاع في محافظة قلقيلية وتحديداً على الشارع الواصل بين مدينة قلقيلية ومدينة نابلس هذا الموقع المتميز أكسبها مكانة وكساها بحلة من جمال، كلؤلؤة تسكن رحم السماء، ويعود تاريخ البلدة إلى العهود الرومانية والآرامية والبيزنطية حيث إن مسجدها القديم الذي بناه الملك «ناصر الدين لله محمد بن قلون» في العهد المملوكي وحجارة المكان والبيوت القديمة تدلُ على أن تاريخ البلدة أقدم من ذلك بكثير، وقد عرفت في القدم باسم «حَجّاي» وعرفت باسم «كوز الذهب»، أو بلدة المئذنة..!! ثم تغيرت إلى اسم حجة.
بالأمس القريب عاشت البلدة عرساً تراثياً بامتياز..!! حيث نظمت فعاليات يوم التراث المركزية في حجة، ويأتي إحياء هذا العرس الفلسطيني لهذا العام تحت عنوان «تراثي هويتي المستقبل يولد من الماضي»، كانت حجة مع العرس التراثي المميز، الذي أظهر مواطنو البلدة حرصاً على تجسيد روح الوحدة والتكاتف وإبراز التاريخ القديم، لكن مكونات المجتمع الحجاوي، أظهر أشبال وزهرات حجة ورجالاتها وكهولها حرصاً على حجة في يوم التراث فعرفوا كل من حضر بأدق تفاصيل الحياة، باللباس والمأكل والمشرب، دلاّت السادة برائحتها عبقت بسحرها في المكان، وصوت الشعر زلزل أفئدة الحضور.
لحجة يركع المجد.. وتزدان الغيمات بما تحملُ في رحمها من مطر، مطرها غزير وهواؤها عليل والتاريخ الماثل بين أكناف الأزقة العتيقة ينطقُ بما لم تدوّنه الكتب، حجة أغنية الفلاح ويرغول «السامر» العراقة والأصالة والنباهة وكرم الضيافة وموطن الأبطال تخوض تحدياً وطنياً يومياً مع الاحتلال البغيض وقطعان مستوطنيه، - العابرون في كلام عابر - لقطاء الأرض يسعون كخفافيش الليل العفنة، يسرقون الأرض يحرقون الزرع يقطعون ما زرعه الأجداد من زيتون رومي ويدنسون ما خلفه الأجداد.
عبثاً يحاولون، فهامة الفلسطيني العالية التي تطال قلب السماء لا تنحني الا لمن خلقها، وما دون ذلك زائل لا محالة، الوارثون لمجد كنعان باقون على العهد يعمرون ويبنون ويزرعون نمطاً مترفاً من التربية في الأبناء حتى يكونوا سدنةً لتراثهم الذي يحاول الاحتلال نهبه، رسالة البلدة والفعاليات للمحتل أيها العابرون في التاريخ الخطأ، آن لكم أن ترحلوا فإننا باقون على هذه الأرض، منزرعون كالزيتون واللوز ولن نرحل، هي أرضنا هي بلدتنا هي حجة وإن لم تصدقوا تعالوا.. تعالوا إلى أزقتها فهي تعرف أهلها أكثر..!!