قلت مراراً عبر مقالات هنا، وفي لقاءات تلفزيونية، بأنّ المملكة العربية السعودية لو لم يكن لها فضل على أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم، إلاّ عنايتها ببيت الله الحرام والمشاعر المقدّسة والمسجد النبوي، وخدمتها الفائقة للحجاج والعمّار والزوّار، لكفاها ذلك شرفاً وفخراً.
واليوم ونحن نتشرّف باستقبال وفود الرحمن من أصقاع المعمورة لأداء فريضة الحج، تلك الوفود التي جاءت راغبة في رضاء الرحمن بأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، نفرح بهم كثيراً ونسعد بخدمتهم أكثر، فهذا قائد البلاد ووليّ عهده وكافة رجال الدولة من مدنيين وعسكريين يقفون على خدمة الحجيج، بل إنّ قمّة هرم الدولة منذ عهد الملك عبد العزيز مروراً بسعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله -، يباشرون مهمّة الإشراف بأنفسهم، وفي أحايين كثيرة يؤدّون مناسك الحج مع جموع الحجيج، في مظهر من مظاهر الوحدة الإسلامية الحقّة، وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، لا يقبل أن يكون بعيداً عن ضيوف الرحمن مهما كانت ظروفه، إيماناً منه - رعاه الله - بأنّ الشرف الأعظم والوسام الأشرف هو خدمة ضيوف الرحمن والوقوف على خدمتهم بنفسه.
إنّ الكاتب مهما أوتي من بلاغة وفصاحة، لا يمكنه أن يصف حال المواطن السعودي الذي يقف في المشاعر المقدّسة أداءً لخدمة كُلِّف بها خدمة لضيوف الرحمن، حيث إنّ الجميع مدنيين وعسكريين، جنوداً وضباطاً، موظفاً صغيراً ووزيراً، على حدٍّ سواء، يتسابقون لخدمة هذا الوافد الكريم.
ضابط كبير يتلقّى إشارة من جندي صغير بكل أريحية وحب، لماذا؟ لكون من تقدّم له الخدمة من جعلهم سواء فكلهم له عبيد، لا فرق بين صاحب النجوم والتيجان، ولا بين صاحب الأشرطة وما دون، سبحان من جعلنا أمامه سواء فلا فرق إلاّ بالتقوى.
شاهدت بنفسي هؤلاء الضباط الكبار ومعهم الجنود الصغار يتسابقون في المشاعر أداءً للواجب، فقد أذاب الموقف ومهابته وعظمته كلّ الفروقات الوظيفة، فصار الجميع يسعى بأن يكون هو الأكثر خدمة لهؤلاء الضيوف الكرام .
قال لي صديق عربي أنتم محظوظون فقلت له بماذا؟ قال بقيامكم بخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الحرمين، فهذا شرف من الله لا منّة لأحد فيه، ساعتها تذكّرت مقولة لوالدي - رحمه الله - ينقلها عن أحد ملوك هذه الدولة لا أذكر من هو بالضبط، حيث ذكر والدي أنّ ضيفاً أجنبياً قال للملك أنتم محظوظون بهذا البترول، فكان رد الملك عليه بل إنّ حظنا الكبير خدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيته الحرام.
ذلك هو الحظ العظيم، وهذا هو الشرف الذي لا يشابهه شرف فلله الحمد والمنّة.
والله المستعان.