ينتاب كل منّا لحظات في حياته يَحِنُّ فيها، إمَّا لمن رحلوا عن هذه الدنيا الفانية، أو لعادات وتقاليد يعزُّ عليه اندثارها.. أو إلى (مرحلة من مراحل حياته)، يتمنَّى لو أن عقارب ثواني ودقائق ساعات العمر لم تَبْرحها.. ولكن هيهات وأنَّى له تحقيق ذلك الحلم المُحال.. الذي بقي في حيّز أُطر الحالمين لم يبرحه وأبقوه لنا بعد رحيلهما بمئات السنين.
يقول الشاعر جميل بثينة:
أَلا لَيْتَ رِيْعَانَ الشَّبَابِ جَدِيْدُ
وَدَهْراً تَوَلَّى يَابُثَيْنُ يعُودُ
والحنين الجارف لا يعترف بالمنطق لأنه أقرب للتجلِّي الذي لا يُحدِّدْ سَقْفُهُ
الواقع وليس ذا صلة - بالبينية - التي تقع عادةً بين حدود (الأمل واليأس).. يقول الأمير الشاعر عبد الله الفيصل رحمه الله:
قلبي الموجَع يردد ما حَييت
اكتم الشكوى وعش بالذكريات
ويَتنوَّع الحنين بمؤثراته من العاطفية، إلى ما يبعث الشوق لصاحب الهواية الأصيلة عند بداية موسم القنص.. يقول الشاعر المعروف بدر الحويفي الحربي:
المزن بالمنشأ غداله ظلالي
وتراكمن غر المزون المراهيش
وتذكّر الصقَّار (دورٍ مضالي)
أيام جالي بالغبيَّه مغابيش
وللحنين إلى الوطن في الغربة أكبر الحضور في الشعر - الفصيح وصنوه الشعبي - يقول الشاعر عبد الله السلوم - رحمه الله - في قصيدة مطلعها:
يا قلب ياللِّي صالي الهمم صاليه
يمسي ويصبح في همومٍ شديده
ومنها:
وإلى ذكر في (نجد) ربعه وأهاليه
تقول يصلى فوق حام الوقيده
ما تنفع القلب المشقَّى هقاويه
لا صار بالغربه ديارٍ بعيده
أما الشاعر المبدع والصديق الغالي ماجد الشاوي فيبدو أن حبه لأغاني فيروز وتحديداً (أنا عندي حنين ما بعرف لَمِين) أخذه هذا الحنين ذات تَجلٍّ في صباح حالم ممطر.. فقال:
أجاذب حنينٍ.. توِّني ما عرفت اقصاه
وفارق تباشير الفرح ليلي الداجي
جداي أكتم الونّات واستعذب المأساة
مثل ما ولف طول المسافات دوَّاجي
ويختلف وقع - الحنين - على الناس بحسب رهافة أحاسيسهم وباختلاف طبيعة تفكيرهم وثقافة تكوينهم، وكان الله في عون من يبلغ تفاعله مع الحنين أَشدَّه، ليكون لسان حال مقاومته لهذا الشعور المؤثر المقولة المعروفة (المرء أعجز من أن يفعل ما لا يُطيق)
Aman can do no more than he can