ما زلت أذكر عصر أحد أيام سنة 1979م حين بدأ بث أعظم برنامج تربوي تعليمي وترفيهي أنتجته مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي وهو (افتح يا سمسم)، الذي جاء نتاج إرادة خليجية موحدة لتوجيه برامج لجيل المستقبل، فاتجهت إلى أهل الخبرة وهم (ورشة تلفزيون الأطفال بنيويورك) كشريك فني، مضافاً إلى ذلك كادر تمثيلي وتربوي عربي وخليجي ضخم،
فجاء هذا العمل الإبداعي الذي عجزت حتى الآن كل القنوات العربية على كثرتها وغثاء بعضها عن أن تنتج مثيلاً له. ثم أن جاء على أثره برنامج (سلامتك) الصحي محققاً نجاحاً كبيراً آخر، وهو برنامج صحي تثقيفي يمزج المعلومة بالمشهد التمثيلي. وتوالت البرامج من قبل هذه المؤسسة الفتية ومنها برنامج (الأمن والسلامة) الذي يختص بالثقافة المرورية والسلوك القيادي، فكان بحق نجاح يضاف إلى إنجازات دول الخليج الإعلامية عبر مؤسستها الإنتاجية. دائما ما يأتي العمل بتضافر الجهود على اختلاف التخصصات والمزايا والإمكانيات بمزيج رائع يميزه التنويع والجودة وثراء المحتوى وما هذه البرامج التي ذكرت كمثال وغيرها إلا أوضح دليل على ما أقول. ثم أن هذه المؤسسة خفت صوتها وتلاشت أنوارها، ولعل ما مرت به دول الخليج من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية على أثر ذلك منذ 1990 وما تلاها قد أثر على نشاط هذه المؤسسة الإنتاجية. إلا أن إعلان وزراء الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي عن تدشين إذاعة (هنا الخليج العربي) منح كل خليجي وفي محب لأرضه أكثر من سبب للبهجة بهذا القرار، بعد أن امتلأ الفضاء العربي والخليجي المسموع والمرئي منه بالقنوات الخاصة والتجارية التي طغى صخب بعضها على صوت التعقل والاعتدال، وغلب فيها سخف المحتوى بفعل الدعاية والإغراء على ثراء الطرح وجودة التوجه لكثير من القنوات الجادة حكومية أو خاصة. مواطنو دول مجلس التعاون بحاجة لما يشعرهم بهذا الكيان الذي برغم ما مر به من أحداث جسام منذ تأسيسه عام 1981م إلا أنه ظل صامداً برغم بطء تحركه نحو الاتحاد التام، لكن أي إجراء يسهم في مسيرة هذا الاتحاد يعد لبنة في البناء، فلا ننسى أن الاتحاد الأوروبي قد بدأ عام 1956 م ولم ير النتائج الملموسة إلا في تسعينيات القرن الماضي. إن لدى دول الخليج ثراء إعلامياً يتوجب الإفادة منه وهذه الإذاعة وسيلة فعالة لهذه الإفادة، والراديو عامة ما زال يحتفظ بنصيب جيد من النشاط الإعلامي، بل إن محتوى كثير من الإذاعات العربية هو أغنى وأثرى من محتوى كثير من القنوات الفضائية العربية. ولعلنا نتأمل في هذه الإذاعة الخليجية الوليدة أن تعيد الذائقة إلى فئة من الجمهور الشباب خصوصاً التي عبثت بذائقته هذه القنوات مسموعة ومرئية فصار كالغراب الذي ضيع مشيته، إضافة إلى تعزيز الانتماء والتصدي لمحاولات التشويه والاختراق الإعلامي المعادي لدولنا وشعوبنا الخليجية والعبية، والله يحرسكم برعايته.