كثر الجدال والنقاشات في أروقة قطاع الطاقة العالمية عن ظاهرة النفط الصخري السجيل الأمريكي (شيل أويل) وتأثير هذه الطفرة النفطية –كما يُطلق عليها- على مستقبل منظمة أوبك، بما فيها بعض التقارير التي ذكرت احتمال وصول الولايات المتحدة الأمريكية للاكتفاء الذاتي من النفط بعد عقدين من الزمان من خلال تطوير حقولها النفطية الصخرية. الحقيقة أن أفضل ما قرأت عن هذا الموضوع هو مقال نشرته مجلة فوربس الإلكترونية لكاتبه كريستوفر هلمان بتاريخ 13 يونيو 2013 بعنوان «لماذا طفرة نفط السجيل الصخري الأمريكي يمكن أن تنتهي قبل التوقعات؟›. أشار هذا المقال إلى أنه على الرغم من أن إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية من النفط ارتفع بنسية 43? منذ عام 2008 بسبب تطوير حقولها النفطية الصخرية الكبرى، فإن هذا الإنتاج كان عالي التكلفة حيث كلف الاقتصاد الأمريكي أكثر من 186 مليار دولار عام 2012م فقط وبزيادة سنوية تقدر ب20%.
الملاحظ أيضاً أن أكثر هذه التقارير والدراسات تركز على ذكر احتياطيات النفط الصخري بشكل أكبر من ذكر التحديات الكبيرة والتكلفة العالية جداً لهذا النوع من النفط مقارنة بالبترول التقليدي. إن التحدي الذي تواجهه هذه الصناعة اليوم ليس تقديرات احتياطيات النفط الصخري في الولايات المتحدة والعالم، بل معرفة كم يمكن أن تنتج هذه الحقول بشكل مستدام وبأي ثمن؟ حيث تقدر الكثير من الدراسات تكلفة تطوير وإنتاج الحقول الرئيسية للنفط الصخري إلى 70-65 دولار للبرميل. ترتفع هذه التكلفة لتصل إلى 100 دولار للبرميل بالنسبة لحقول النفط الصخري الهامشية الصغيرة ذات المكامن المعقدة جداً جولوجيا وبعيدة العمق. يشير التقرير أيضاً إن ما يجعل هذه الصناعة مستمرة في الولايات المتحدة هو السعر الحالي العالي للنفط في الأسواق العالمية ) 100 دولار للبرميل. وأضيف كذلك السيطرة الشبه سياسية على المؤسسات البيئية التي تحارب عملية التكسير الهيدروليكي المُتبع في عملية تطوير هذه الأبار لرفع إنتاجها.
أشار تقرير فوربس كذلك أن متوسط الإنتاج النموذجي اليومي لآبار النفط الصخري الأفقي بعد عملية التكسير الهيدروليكي يقدر بـ 600 برميل مكافئ (النفط + الغاز) مع معدل انخفاض سنوي قد يصل إلى أكثر من 40 %. هذا يعني أنه إذا كان لدينا حقل بترول صخري ينتج 600،000 برميل يوميا من 1000 بئر، سوف نحتاج إلى حفر وكسر هيدروليكي 400 بئرا جديدة كل عام وذلك للحفاظ على مستوى إنتاج الحقل. هذه الأرقام تحتم وجود استثمارات ضخمة مع عدد كبير من وحدات حفر الآبار وكمية وفيرة من الماء لعملية التكسير.
فإلى متى يمكن أن يستمر هذا النمط من الإنتاج ذو الخدمات اللوجستية المعقدة، عالية التكلفة والمخاطر البيئية مدعوماً من قبل المؤسسات المالية ومغفولا عنه من قبل الجمعيات البيئية الأمريكية؟
لهذه الأسباب والعوامل يعتقد الكثيرون أن طفرة النفط الصخري الأمريكي ستنتهي في وقت أقرب مما هو متوقع.
بالرغم من هذا الطرح الواقعي تجد -مع الأسف- أن بعض المتفائلين ينظرون للنفط الصخري على أنه تهديد لمستقبل منظمة أوبك التي اتبعت استراتيجية تعتمد على متابعة الأحداث والتطورات لهذا القطاع والتي لا تزال تمتلك الخيار لإخراج هذا النوع من النفط من خريطة النفط العالمية -إن أرادت- من خلال رفع الإنتاج وخفض الأسعار لتصل 70 دولارا للبرميل. أنا لا أعتقد أن أوبك سوف تفعل ذلك، كما أني -وبشدة- لا أنصح بهذا الخيار لأني أرى جانبا إيجابيا لوجود هذا النوع من النفط على الأقل على المدى القصير اعتماداً على ما يلي:
- تكلفة تطوير هذا النوع من النفط سيزيد مع الوقت لوجود نسبة كبيرة من احتياطياته في حقول معقدة صغيرة هامشية فهو لا يمكن أن ينافس النفط التقليدي سعرياً.
- أي تراجع في صادرات أوبك إلى الولايات المتحدة نتيجة لإنتاج النفط الصخري يمكن أن يحول وبسهولة إلى آسيا ودول الشرق الأقصى كما أشار التقرير الأخير لوكالة الطاقة الدولية (3 أكتوبر 2013) إلى زيادة الطلب على الطاقة في جنوب شرق آسيا 2 و½ مرة منذ عام 1990م. وتشير الدراسات الاقتصادية والديموغرافية في هذا الإقليم لمزيداً من النمو في المستقبل.
- لم يكن لـ 2 مليون برميل إضافي في إنتاج الولايات المتحدة منذ عام 2008م حتى الآن أي تأثير على إنتاج أوبك أو السعر. في المقابل، أظهرت تقارير أوبك زيادة في إنتاجها كدلالة على أن السوق قادرة على استيعاب أي زيادة في الإنتاج نتيجة للنمو الاقتصادي الإيجابي وخاصة في بلدان جنوب شرق آسيا والدول النامية. كما أنني أعتقد أن هذا الإنتاج ساعد على خفض الضغوط على دول أوبك الرئيسية لرفع سعتها الإنتاجية لتلبية الطلب العالمي المتزايد.
وأخيرا، أرى كما يرى الكثيرون أن التحدي الكبير -غير المتعلق بإنتاج النفط الصخري- الذي قد تواجهه منظمة أوبك يتمثل في خطورة انخفاض معدلات نمو الاقتصاد العالمي - بالأخص الأمريكي والأوروبي- والذي يمكن أن يسبب انخفاضاً كبيراً في الطلب على النفط وما يتبعه من انخفاض في الأسعار. إذا ما حدث هذا فإن آخر شيء يجب أن نخاف منه هو البترول الصخري، وذلك لأن انخفاض أسعار النفط سوف يُخرجه تلقائياً خارج خريطة النفط العالمية.