في المقال الأول عرضت لما قاله الحاج الفرنسي عن نفسه وعائلته، وفي يوم الثلاثاء الماضي أوردت أهم ما جاء على لسانه من مشاكل وتحديات تواجه الأقليات الإسلامية في فرنسا خصوصاً وأوروبا على وجه العموم، وهي جزماً ما يعاني منها المسلم في الأمريكيتين وأستراليا،، ويبقى السؤال الرئيس والهام هنا: ترى ما هو الحل الذي يخفف المعاناة على الأقل، ويعزّز دور المسلمين هناك، ويفتح لهم أفقاً جديداً في التعامل مع معطيات حياتهم الصعبة ببلاد الغربة، وما الواجب الملقى على عواتقنا نحن في المملكة العربية السعودية إزاء هؤلاء المسلمين الذين ينتظرون منا مد يد العون لهم في محنتهم وابتلائهم في دينهم ولغتهم وهويتهم؟!.
في نظري أنّ موجز القول هنا يتلخّص فيما يلي:
تأسيس مركز متخصص في “علم الاستغراب “ يكون من وكده دراسة الآخر كما هو الحال في “الاستشراق” الغربي، كما أنّ من مهامه الرئيسة عقد الدورات التدريبية للدعاة الذين يكلفون للعمل في الخارج، أو حتى يرغبون المشاركة في مؤتمرات وندوة ذات صلة مباشرة بحياة المسلمين هناك، يضاف إلى هذا وذاك، تحفيز الباحثين المتخصصين لسبر أغوار فقه الأقليات المسلمة، والكتابة فيه بعد معرفة الواقع الذين يعيشونه الساعة، ويمكن أن يحتضن هذا المركز المختص المعهد الدبلوماسي في الرياض التابع لوزارة الخارجية، أو إحدى الجامعات الأم كجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التوظيف الأمثل للملحقيات الثقافية ودعمها للعمل على نشر ثقافتنا والتعريف بنا برؤية عصرية متقدمة.
الاستفادة من الاتفاقيات الثنائية بين الجامعات السعودية والأخرى الأوروبية والأمريكية، في تزويد المكتبات الجامعية ببعض الكتب والدراسات الأكاديمية التعريفية المبسطة وذات المنهج الإسلامي الوسط.
تنظيم المركز العالمي للحوار مؤتمرات وندوات تعالج مشاكل هذه الفئة المهمّشة في الخطاب الديني غالباً، والحرص الرسمي والأكاديمي على المشاركة الواعية في المؤتمرات الحوارية العالمية ذات الصلة بواقع المسلمين، وعدم ترك هذا المجال الهام ليتولّى الحديث فيه من ليسوا أهلاً لذلك أو لمن يوظفه التوظيف السياسي المرفوض.
تعزيز الحضور الإيجابي لأبنائنا وبناتنا المبتعثات وتحفيزهم للمشاركة في أنشطة جامعاتهم، خاصة ما له صلة بخدمة المجتمع المحلي، وتوعيتهم بدورهم المرتقب إزاء أبناء المسلمين الذين يعيشون هناك وليس لهم من الإسلام إلاّ اسمه.
دعم “الأكاديميات السعودية” وتعزيز حضورها العالمي، وكذا “المراكز الإسلامية” التابعة للمملكة العربية السعودية، والتفكير الجاد في تبنّي كراسي علمية لها علاقة مباشرة بالقضايا والإشكاليات القائمة للمسلمين في بلد الغربة.
تشجيع المحسنين بصورة غير مباشرة لبناء المساجد والمصليات وإسناد الإشراف عليها لمن يوثق فيه هناك، وجعلها منابر للتوعية والتثقيف والإرشاد للإسلام الوسطي الصحيح.
الاستفادة من موسم الحج في عكس صورة الإسلام الوسطي الصحيح لهؤلاء الوافدين إلى ديارنا، طلباً لما عند الله، سواء بسلوكنا وأخلاقياتنا أو بأقوالنا وحواراتنا معهم أو بأفعالنا وتعاملاتنا التي يرصدونها حين تواجدهم بيننا، إضافة إلى إهدائهم النافع من الكتيبات التثقيفية المبسطة والصادرة من مراكز علمية متخصصة وموثوقة، بطريقة لا تشعرهم بالأستاذية، ولا توحي لهم بالدونية والحاجة لمثل هذا النوع من الإهداء.
أعلم أنّ هناك صعوبات ومحاذير، وفي الطريق أشواك وتعرّجات ومنحنيات ومخاطر وربما اتهامات وتخوينات، كما أنني على يقين تام بأنّ هناك جهوداً سبقت ومازالت ولها ثمار ونتائج لا يمكن تجاهلها أو التغافل عنها، ولكن كل هذا لا ينسينا واجب التذكير بأهمية الدور المطلوب منا، ومحاولة التماس الآلية الأمثل للمشاركة في انتشال الجيل الثاني والثالث من أبناء المسلمين في الخارج، فضلاً عن التأثير على غير المسلمين للدخول في هذا الدين، ولا يغيب عن البال ونحن في صدد الحديث عن مرتكز هام في الدعوة والتبليغ، أن هناك طوائف وجماعات وأحزاب أو تيارات ذات عقائد أيديولوجية وسياسية و... يسابقوننا على ذات الميدان، ولهم حضورهم الطاغي وللأسف الشديد والممتد إلى كثير من جامعات عالمنا الإسلامي سواء في إندونيسيا أو جنوب أفريقيا، ليس هذا فحسب بل لهم المحاولات المستميتة والقوية لاختراق ماليزيا وهم جادون في غزو العرب بعقر دارهم، والحديث عن هذا النوع من التوظيف السياسي للدين ومن خلال بوابة العلم والتعليم يطول، وربما عدت له في مناسبة ثانية، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.