تأكيداً لا تعقيباً لمقال الشيخ أبو عبدالرحمن الظاهري والمنشور في جريدة الجزيرة يوم السبت 3 شوال 1434هـ، أقول ما ذهب إليه العلماء في تنويع التوحيد من باب التوضيح والتفسير لأهم مطالب التوحيد، وهي إثبات الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وقد اختصرها ابن تيمية فقال: توحيد المعرفة والإثبات وتوحيد الطلب والقصد. والباعث لهذا التوزيع وجود الجاحدين بربوبية الله تعالى وإنكار هيمنته على الخلق. كما أن من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله كان جاحداً للتوحيد، وهم كثر على وجه البسيطة مع الادعاء بالإسلام والتبعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الأسماء والصفات فقد احتدم الصراع بين أهل الإسلام وعلماء الكلام ما يسمى بالجدل. وهو أمر فرضته دراسة علم المنطق والفلسفة اليونانية، فكان الاتحاديون والحلوليون القائلون (إن الله مندمج في خلقه، مستقر في الذوات، فيمكن لكل عابد أن يعبد الآخر ولو من أحقر المخلوقات ذاتاً وصفة). وكان المؤولون القائلون بنفي الصفات وتأويلها على خلاف ظاهرها مما جاء في القرآن والسنة من صفات الله الفعلية والقولية، وهم المعتزلة والجهمية، يتبعهم الأشاعرة ومثلهم الماتوريدية، فقالوا نثبت لله سبع صفات هي الضروريات الواجب إثباتها في حق الله، وما زاد عن ذلك يؤل. هذه ألاعيب الشيطان ووسوته ومنجزاته لإشغال العلماء، مما جعل علماء السنة أن ينبروا للرد والردع وإبطال الباطل، ومما ذهبوا إليه تنويع التوحيد بهذه الأنواع الثلاثة أو النوعين عند ابن تيمية. ولعلماء الفقه اجتهادات كاجتهادات علماء التوحيد لتوضيح ما هو المهم في الصلاة والأهم، فقالوا بشروط الصلاة التي تكون قبل الشروع فيها وعددها عشرة، وبأركان الصلاة التي لا تصح الصلاة إلا بالإتيان بها وعددها أربعة عشر ركنا، وواجبات الصلاة التي يجبر بسجود السهو عند من سها عن أدائها وهي ثمان. أما ما عدا الشروط والأركان والواجبات فسنن قولية أو فعلية لا تبطل الصلاة بتركها، غير أن ما كان عليه الصدر الأول لا يعرفون هذه الشروحات ولم تخطر لهم على بال، فهم يؤدون صلاتهم تأدية عملية بالتناقل الفعلي كما في الحديث (صلوا كما رأيتموني أصلي).
أعود إلى مقال الشيخ أبوعبدالرحمن فأذكر بأن عشاق السياسة ورواد الحكم الإسلامي والخلافة الراشدة زادوا بأنواع التوحيد فقالوا بالحاكمية وهو عندهم ند الإلهية، قلت فلعل أرباب التصوف والسلوك يدلون بدلائهم فيقولون بتوحيد السلوك، فبدلاً من الثلاث الأنواع صارت خمسة.
والذي أراه أن الدعاة المستبسلين في خدمة الإسلام وإدخالهم الأفواج في دين الله لا يثيرون هذه الأنواع في التوحيد ولا هذه الأحكام الفقهية في الصلاة. وقد يتبادر للنصراني الذي دخل الإسلام أن المسيحية بها الأقانيم الثلاثة والإسلام فيه أنواع التوحيد الثلاثة فيحصل عنده اضطراب، كما أنه لا يخفى أن المدرستين العالميتين الأزهر في مصر ودار العلوم في ديوبند الهند مضى على الأولى ألف عام والثانية مائة عام، الأولى أشعرية والأخرى ماتورودية، فأين موقع السلفية في تبيين التوحيد وبالأخص الإلهية والأسماء والصفات، فعواصم العالم الإسلامي في أوج نشاطها في ألوهية القبور والمقبورين، ومدارس علم الكلام تزج بآلاف الطلاب كل عام على مبدأ التأويل والتحريف.
أشكر الشيخ أبوعبدالرحمن، فقد كان هذا الموضوع يدور في خلدي كثيراً ولا أريد الإفصاح عنه حتى سنحت الفرصة بمقالي هذا تأكيداً لا تعقيباً على مقال الشيخ أبوعبدالرحمن حفظه الله ووفقه.
- إسماعيل بن سعد بن عتيق