بَعْدكَ العِيْدُ يَا أَبِي لَيْسَ إِلاَّ
مَوقِفاً عَنْ شُعُورِه قَدْ تَخَلَّى
صَارَ يَوماً كَغَيْرِه دُونَ مَعْنَى
كَانَ فِي رُوحِكَ ارْتَقَى فَتَجَلَّى
كَانَ ضَوءاً بِه جَبِيْنُكَ يَزْهُو
كَانَ سَعْداً عَلَى شِفَاهِكَ يُتْلَى
كَانَ فِي وَجْهِكَ انْشِرَاحاً وَبِشْراً
كَانَ فِي عَيْنَيْكَ ابْتِهَاجاً وَظِلاَّ
كُنْتَ بِالعِيْدِ عِيْدَنَا غَيْرَ أَنَّا
لَمْ نَكُنْ قَبْلُ نَعْرِفُ العِيْدَ شَكْلا
فَعَرَفْنَا بِأَنَّكَ العِيْدُ لَمَّا
أَنْ فُجِعْنَا بِيَومِه حِيْنَ حَلاَّ
قَبْلَ يَومٍ مِنْ يَومِه كُنْتَ فِيْنَا
فَتَرَكْتَ الدُّنْيَا لأُخْرَاكَ قَبْلا
أَيّ عِيْدٍ أَتَى وَأَنْتَ بَعِيْدٌ
لا تَرَانَا وَلا نَرَاكَ مُطِلاَّ؟
كُنْتَ فِيْه مِنْ بَيْنِنَا نَبْضَ حُبٍّ
فِيْه كُنَّا بِذَوقِه نَتَحَلَّى
كُنْتَ طُهْراً رَبَّيْتَنَا كَيْفَ نَحْيَا
طَاهِرِيْ أَنْفُسٍ مَقَالاً وَفِعْلا
تَمْقُتُ الظُّلْمَ سَاحَةً وَطَرِيْقاً
وَتُنَادِي بِمَقْتِه مَنْ تَوَلَّى
أَنْتَ عَلَّمْتَنَا العَدَالَةَ نَهْجاً
سَارَ فِيْه بَنُوكَ فِي الخَلْقِ عَدْلا
أَخَوَاتِي اكْتَسَبْنَ مِنْكَ خَلاقاً
يَنْشُرُ الحُّبَّ فِي المَنَازِلِ فُلاَّ
كَمْ قَرَأْنَا الرِّضَا بِعَيْنَيْكَ حِسّاً
صَادِقاً يَحْتَوِي القَنَاعَةَ كُلاَّ
رَضِيَ النَّاسُ مَسْلَكاً عَنْكَ فِيْهِمْ
فَالرِّضَا مِنْ رِضَاه عَزَّ وَجَلاَّ
حِيْنَ يَلْقَاكَ مِنْ بَنِيْكَ حَفِيْدٌ
تَعْبُقُ الدَّارُ فَرْحَةً لَيْسَ تُعْلَى
أَلِفُوا مِنْكَ بَسْمَةً عَرَفُوهَا
طَعْمَ بَلْعُودَةٍ أَلَذَّ وَأَحْلَى
وَجَدُوا مِنْكَ لِلسَّعَادَةِ قَلْباً
كُنْتَ فِيْهَا لَهُمْ أَرَقَّ وَأَعْلَى
حَفَظُوا عَنْكَ ذِكْرَيَاتٍ تَوَارَتْ
حِيْنَ تُرْوَى بِرَجْعِهَا تَتَسَلَّى
كُنْتَ أَدْرَى بِمَا يُرِيْدُونَ مِنَّا
لَمْ يُلاقُوا لِمَرَّةٍ مِنْكَ كَلاَّ
ثَقَّفَتْكَ الحَيَاةُ صَبْراً عَلَيْهَا
فَعَرَفَتَ الحَيَاةَ بِالفِكْرِ عَقْلا
غَايَةٌ لَمْ نَصِلْ إِلَيْهَا بِعِلْمٍ
مَا أَزَحْنَا بِمَا قَرَأْنَاه جَهْلا
عِشْتَ تَسْعَى بِأَرْضِه بِاجْتِهَادٍ
كَادِحاً فِي الحُقُولَ تَزْرَعُ نَخْلا
عَضَّكَ الجُوعُ فِي شَبَابِكَ دَهْراً
وَعَرَفْتَ النَّعِيْمَ شَيْخاً وَكَهْلا
وَلِهَذَا فَأَنْعُمُ الله تَلْقَى
مِنْكَ حَمْداً يَفِيْضُ قَولاً وَفِعْلا
كُنْتَ فِي مَطْعَمٍ وَفِيْرٍ حَرِيّاً
كُنْتَ مِنَّا بِه أَحَقُّ وَأَولَى
كُنْتَ تَخْشَى أَنَّا نَجُوعُ وَنَعْرَى
خِفْتَ مِنْ حَاجَةٍ تَحِلُّ فَنُبْلَى
لا تَرَى العُمْرَ رَاحَةً دُونَ كَدْحٍ
لَمْ تَدَعْ فِي أَعْوَامِه الأَمْسَ شُغْلا
فَأَطَاحَتْ شَيْخُوخَةُ العُمْرِ فِيْكُمْ
رُكَباً أَقْعَدَتْكَ عَاماً مَحَلاَّ
صِرْتَ تَبْكِي عَلَى الجَمَاعَةِ لَمَّا
أَعْجَزَتْكَ الوُصُولَ حَيْثُ المُصَلَّى
عَزَّكَ الجَامِعُ القَرِيْبُ مَسَاراً
وَسَمَاعُ الخَطِيْبِ يَأْتِيْكَ جَزْلا
يَا أَبِي يَا أَبِي لَقَدْ عِشْتَ سَمْحاً
بِفُؤَادٍ لَم يَعْرف العُمْرَ غِلاَّ
لَمْ تُقَاطِعْ قَرَابَةً ذَاتَ يَومٍ
صِلَةُ الأَرْحَامِ ارْتَقَتْ فِيْكَ نُبْلا
وَعلاقَاتُ جِيْرَةٍ كُنْتَ فِيْهَا
حَافِلاً لَم تَدَعْ لِذَلِكَ حَفْلا
كَانَ هَذَا مَقَالَهُمْ بِالتَّعَازِي
كُلُّ نَاعٍ نَعَاكَ خَيْراً وَصَلَّى
تِلْكَ بُشْرَى بِأَنَّكَ اليَومُ تَرْقَى
لِمُقَامٍ أَجَلَّ شَأْناً وَأَعْلَى
أَيُّهَا الرَّاحِلُ المُوَدَّعُ مِنَّا
لِلِقَاءٍ يَطِيْبُ شَوقاً وَفَأْلا
أَنْتَ فِي رِحْلَةٍ إِلَى اللهِ تَسْمُو
سَوفَ تَلْقَى لَديْه أَمْناً وظِلاَّ
يَا أَبِي يَا أَبِي جَمِيْلُ عَزَانَا
فِيْكَ أَحْرَى مِن الدُّمُوعِ وَأَغْلَى
لا القَوَافِي تَبُثُّه عَنْ شُعُورِي
مِنْ فُؤَادِي وَقَدْ تَهَيَّأَ نَقْلا
مَا بُكَائِيْكَ يَا أَبِي بِالقَوَافِي
غَيْرَ صَوتٍ بِرَجْعِه القَلْبُ يُسْلَى
لَكَ عِيْدٌ مِن السَّمَاءِ سَتَرْضَى
فِيْه عِيْداً يَزِيْدُ فَضْلاً وَفَضْلا
فِيْه تَلْقَى الشَّفِيْعَ يَشْفَعُ فِيْكُمْ
عِنْدَ رِبٍّ سُبْحَانَه يَتَجَلَّى
وَرِضَا اللهِ رَحْمَةٌ وَقَبُولٌ
أَنْتَ يَا عَبْدَاللَّهِ واللَّهُ مَوْلَى