لن تسقط مصر، هذا ما قالته السعودية، هذا ما سمعته عواصم الغرب والشرق، كفاكم تلاعباً في دولة نعتبرها القلب والعقل، هذا ليس خطاباً إنشائياً ولا موقفاً كلامياً بل تحرك ديبلوماسي ووقفة سياسية. جاء الموقف السعودي استجابة لصرخة أطلقتها حناجر الغاضبين يوم 30يونيو وفي تفويض رمضان الكبير، الذي كلف فيه المواطنون المصريون جيش بلادهم لحمايتهم من إرهاب الجماعات المتأسلمة
التي خدعت دعاة الديموقراطية وأوهمتهم بأنها جماعات معتدلة تتعامل بالسياسة وتحترم حقوق الإنسان!
لو كانت هذه الجماعات تؤمن بتطبيق الشريعة ستكون السعودية أول المرحبين بها، فالمملكة دولة تطبق الشرع، وترى أن واجبها حماية الدين ممن يستخدمونه لتحقيق غاياتهم الدنيوية ومطامعهم السياسية، والسعودية أكثر بلاد العالم معرفة بالجماعات الإسلامية، وتعرف تياراتهم وأفكارهم ورؤاهم، وحذر علماؤها من شرورهم، وهي من استقبلتهم عندما لفظتهم أوطانهم، لتمنحهم فرصة الرجوع عن بعض الأفكار، وجعلتهم يعيشون على أراضيها معززين مكرّمين، بمبادرة كريمة من الملك فيصل -رحمه الله- إلا أنهم قابلوا الكرم السعودي بالإساءة، وبالعمل السري المنظم، وبنشر الأفكار المسمومة.
المملكة ليست ضد أي فصيل سياسي في أي بلد، ولا تتعامل مع الفصائل والأحزاب لا بدعمها ولا بمحاربتها مباشرة، بل تتعامل مع الدول ككيانات سياسية لها احترامها، وفق الأعراف والأصول التي تحكم العلاقات الدولية، وعندما دعمت المملكة الموقف المصري بعد ثورة 30 يونيو لم تستهدف جماعة بعينها، ولكنها وقفت مع الإرادة المصرية التي مثّلها الملايين التي احتشدت في الشوارع ووقف معها الجيش مسانداً وحامياً، والمملكة كانت تدرك المصاعب التي كانت تواجهها مصر، وعندما قال الشعب كلمته، ساندت السعودية هذه الإرادة، وحيّت الجيش المصري الذي أنقذ مصر من النفق المظلم الذي كانت تسير فيه، وهذا الدعم السياسي السبّاق لم يكن موّجها ضد الجماعة، بل ضد اختصار الدولة في حزب، وليس أي دولة، هذه مصر التي تعتبرها المملكة الحليف الأهم والشقيق الأقرب والدولة التي تشاركها قيادة الأمة، كما أن المملكة لا تنسى مصر التي بعثت إليها خيرة شبابها وعلمائها ليشاركوها رحلة التنمية.
يعتقد المغيبون أو من غيّبت عقولهم قنوات تلفزيونية ووسائل إعلامية كاذبة ووعاظ متحزبون أن الإخوان المسلمين تعرضوا للظلم، وأنهم ضحية ما يسمّونه انقلابا، وليتهم يعلمون بأن السعودية على مدى تاريخها، لم تدعم القتل أو تقبل بالانتهاك، أو تقف إلى جانب الباطل، وأن موقفها الشجاع جاء ليوضح الحقيقة، وليكشف الزيف، وليس من المقبول أن يزايد أحد على المملكة في أي شأن له علاقة بالدين الإسلامي، قال خادم الحرمين الشريفين في خطابه الشجاع أن المملكة تقف إلى جانب مصر في مواجهة الإرهاب، والإرهاب كان حاضراً بوجهه القبيح في كلمات المنتسبين للإخوان في اعتصاماتهم، وفي ممارسات أعضاء جماعتهم والمحسوبين عليهم، والسعوديون يعرفون ما معنى الإرهاب جيداً ويعرفون أيضاً معنى التكفير والتفجير، فلا يمكن السكوت عن الحق، والحق هنا الوقوف إلى جانب شرعيّة الشعب، لا إلى جانب الجماعة، ومن أراد معرفة المزيد عن إرهاب الجماعة، ليس عليه سوى الاستماع إلى قياداتهم ومشاهدة مقاطع الفيديو عن جثث وجدت تحت منصة مكان اعتصامهم، وعن قتلى تخلصوا منهم بعد الاعتصام، وعن فظاعات يرتكبها المحسوبون عليهم في الإسكندرية وسيناء وغيرها.
هناك من هاجم فض الاعتصام وتناسى هؤلاء أن الأمن يجب أن يفرض ولو بالقوة إذا كان هناك خارجون عن القانون أو معتدون على أمن البلاد والمنشآت، والأمثلة كثيرة في بريطانيا وفرنسا وفي أميركا نفسها، وللدولة هيبة يجب أن تبقى حاضرة، وهذا لا يعني انتهاك حقوق المواطنين، ولكن فرض القانون يجب أن تحميه القوة التي يكفلها القانون أيضاً، وهذا الإجراء الذي تم في مصر، كان بأكبر قدر ممكن من الحذر، وبالتأكيد لن تقابل قوات الأمن رصاص الإرهابيين بالورود، وبذات الوقت احترمت العزل، ووفرت لهم الخروج الآمن، لكن لا يمكن أبداً أن يقتنع أصحاب الأيدلوجيا، لأنهم في حالة ذهول من السقوط الذي هز كيانهم وبدد أحلامهم، وكشف إرهابهم أمام العالم.
دعمت المملكة جيش مصر، ووقفت إلى جانب خطة الانتقال الديموقراطي وخارطة المستقبل، وبدأت جهدها الديبلوماسي لتقول للعالم بأن ما يجري في مصر تم بإرادة الشعب، وأن الصورة التي وصلتكم مغلوطة، وأن المتلاعبين بمستقبل هذا البلد من دول هامشية أو دول تسعى للقيام بأدوار إقليمية سوّقوا هذه الصورة المغلوطة. تقف المملكة اليوم بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بوجه مخطط ظلامي كان الهدف منه إدخال المنطقة في المزيد من الفوضى، وإضعاف الدول المؤثرة، وتفكيك التحالفات، وخلق واقع جديد،، لكن السعودية كانت أوعى من المتآمرين على أمن المنطقة، وأوصلت صوتها وصوت مصر إلى العالم، وقالت السعودية للأصدقاء بصريح العبارة، نحن أعلم بشؤون منطقتنا.
العلاقات السعودية المصرية لها خصوصية فريدة، والمجال لا يتسع لسرد ما يثبت صلابتها، وعن هذه العلاقة قال الملك عبدالعزيز:”كلانا - والحمد لله - موقن بأن القوة في وحدة الكلمة ، وأن الأخ درع لأخيه ، وما شك أحدنا في أن مصلحة البلدين تقضي بوحدة اتجاههما السياسي ووحدة السبيل الذي يسلكانه في منهاجهما الدولي ، ذلك مبدؤنا ومبدأ شعبنا يتوارثه الأبناء ، ويبقى - إن شاء الله - على وجه الدهر بهذه الروح “
توارث أبناء عبدالعزيز -رحمه الله- حب مصر، وفي كل المواقف الحرجة كان الشقيق إلى جانب شقيقه، ومنها الوقفة الشجاعة للملك سعود إبان العدوان الثلاثي، عندما أعلن التعبئة في الجيش السعودي وبعدها وقفة الملك فيصل الكبيرة في حرب أكتوبر، واليوم يقف عبدالله بن عبدالعزيز مع مصر الدولة والشعب، بتكليف الديبلوماسية السعودية بتوضيح الموقف للعالم أجمع، وبمساعدات تعين الدولة على الإيفاء باحتياجات المواطن المصري.
لا يفهم البعض أن المنطقة لا مكان فيها للعب والمنافسة، والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة عليها أن تعلم بأن ليس كل ما يقوله الصغار الباحثون عن أدوار صحيحا، وأن سياسة خلق حلفاء يتسلمون السلطة في بلد مثل مصر، أصبحت مكشوفة ومرفوضة، فالحقائق لا يمكن إخفائها والقباحة لا يمكن تجميلها، والإرهاب لا يحمل تعريفين أو وجهين، لكن ستندم دول لعبت أدواراً بشعة حاولت من خلالها هز الأمن الاقليمي، وكادت أن تودي بمصر ذات المكانة والتأثير العظيمين.
سأضرب مثالاً استوحيته من ملاعب كرة القدم.. ربما يستطيع المنتخب المغمور استقطاب لاعبيبن موهوبين من كل دول العالم وتجنيسهم وإحضار أشهر المدربين، ورسم الخطط المؤثرة، لكن الفريق العريق الذي يواجهونه قد يكسب المباراة بهدف ثمين صنعته الخبرة والمهارة، وهذا يكشف أن المتسلقين وأصحاب الخيال الواسع من الصعب عليهم تحقيق حلمهم بمنافسة من لا يستطيعون منافسته حتى لو كسبوا جولة أو جولتين!
Towa55@hotmail.com@altowayan