موضوع حلقة اليوم عن تكتيكات وتحركات التحريض على الرفض التي أدت إلى الإرباك التشريعي والتنفيذي وانتهت بتأجيل الخطوة التطويرية إلى أجل غير مسمى.
الحجة التي تتوارى خلفها السلطات التنفيذية عند استجابتها لمناورات التحريض على التأجيل هي دائما ً نفسها، المجتمع غير مستعد بعد لتقبل هذه الخطوة التجديدية ولابد من احترام رأيه. أول الخيط لهذه الحجة تلتقطه السلطات في الواقع من الطرف الرافض المحرض على الرفض الجماعي، لأنه هو الذي يطالب دائما ً بطرح أي مشروع تجديدي لرأي الجماهير قبل البت فيه.
هنا نكون قد وصلنا للسر الباتع في كل هذه المناورات والمماحكات المتبادلة التي لا تنتهي، والتي ما إن يخرج المجتمع من واحدة منها حتى تظهر أمامه ملهاة جديدة. العقل المحافظ الممانع للانفتاح على التجديد الفقهي والمعرفي والتقني والتكيف مع ظروف الحياة هو القمقم السحري للتحريض بكل آلياته وتكتيكاته ومناوراته. هذا العقل على علم تام بأن العاطفة الجماهيرية الشعبية تتماثل، بل وتتماهى مع مفاهيمه ومعارفه ومخاوفه، ويعرف يقينا ً أن طرح أي مشروع تجديدي على عموم الجمهور سوف ينتهي بالرفض. السلطة التنفيذية حين تواجه هذا الموقف تتقبل الهزيمة أحيانا ً وحسب الظروف دون الاعتراف بها، وتقفل الموضوع بالتأجيل إلى زمن قادم.
نفس العقل الرافض المحرض على الرفض يعرف أيضا ً أن الخطوة التجديدية سوف تفرض نفسها في المستقبل لا محالة رغما عنه، ولذلك يخطط مبكرا ً لأن يكون من أول المسارعين لتلقفها والاستفادة منها. قدرة العقل الرافض في المجتمعات المحافظة على المراوغة والالتفاف لا حدود لها، فهو يرفض الشيء بدايةً بعنف لا هوادة فيه، ثم فجأة يقفز فوق كل الرؤوس ويتصدر قيادة أو إدارة أو رئاسة هذا المشروع الجديد، بمباركة الحكومة وصمت الجماهير.
السؤال الأكبر هنا هو، لماذا تقبل الحكومة (السلطة التنفيذية) هذه اللعبة، وهي تمتلك التغطية الشرعية وتعرف أهداف الطرف المحرض؟.
البشر هم البشر في كل مكان، لكن الاختلاف في الأزمنة فقط. كل المجتمعات البشرية مرت وتمر بنفس فترات التحريض والرفض تجاه نفس القضايا. القرار التجديدي كان يتم دائما بفرض العقل المجدد إرادته المدعمة بإمكانيات السلطات التشريعية والتنفيذية، وكلما كان حاسما وسريعا كان أفضل للمجتمع.