في كتابه «حياتي» ذكر «مكسيم غوركي» أن الفرق بين البشر موجود في رؤوسهم، ولم يقل أن الفرق بين الإنسان والحيوان موجود في رؤوسهم، حيث وقف العلم على الفرق بين دماغ الإنسان ودماغ الحيوان إن القشرة في الإنسان كبيرة جداً نسبياً وتملأ الجزء الأكبر من فراغ الجمجمة، أما
في الحيوان فهي صغيرة جداً حتى في أعلى درجات الحيوانات الشمبانزي وإنسان ياندرتال) الذي يلي الإنسان في درجة الرقي، ولذلك يمتاز الإنسان عن الحيوان في قدرته على التحكم في الكثير من حركاته اللاإرادية، وكذلك في السيطرة على دوافعه الجسدية، مثال ذلك الغضب انفعال يحدث مظهراً معيناً في الإنسان والحيوان، فالقطة عندما تغضب مثلاً تشد أقدامها وترفع ذيلها وتتسع حدقتا عينيها، ويحدث للإنسان شيء شبيه بهذا عندما يغضب، والمسئول عن هذا المظهر لانفعال الغضب هو إحدى الغدد الصماء (وموجودة فوق الكلية) التي تفرز هرموناً خاصاً (الإدرنالين) وهو الذي يحدث هذه التغيرات الجسمية.
ويسيطر على هذه الغدة وغيرها من الغدد الصماء غدة أسفل المخ اسمها الغدة النخامية، وهذه الأخيرة تتصل بالمخ بواسطة أعصاب وتقع تحت تأثير المراكز العصبية والقشرة، وعن طريقها يستطيع الإنسان أن يتحكم إلى حد بعيد في باقي الغدد الصماء وتعتبر الغدة النخامية بالنسبة لباقي الغدد بمثابة «المايسترو» الذي يقود الفرقة الموسيقية ويوجهها وينظمها، فالإنسان يستطيع أن يتحكم في انفعال الغضب عن طريق مراكزه العليا في المخ بالتالي أصاب «مكسيم غوركي» في الذهاب إلى أن الفرق بين البشر موجود في رؤوسهم، فهل عندما أيقنّا أن الفرق بيننا موجود في رؤوسنا اهتممنا بهذه الرؤوس!؟ {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} سورة الحج (46).
حيث إن تفكيك وتركيب ما يشاهده الإنسان ويسمعه أو يحس به يختلف من فرد إلى آخر قائماً بذلك فكره أوقارب النجاة له.
فقد عثر البروفيسور وأستاذ طب الأعصاب بجامعة «بريمن» الألمانية، والشهير دولياً بأبحاثه على جينات الدماغ «غيرهارد روث» على ما سماه «بقعة سوداء» في وسطه الأعلى، أطلق عليها اسم «مربض الشيطان» الموسوس للقيام بردات فعل عنيفة ومتنوعة، والكامن كوكر يتربص شراً بالآخرين عند أول إشارة ينشط معها سلبياً، بحيث تنبع منه المحرضات على العنف الفردي والجماعي الفاتك بالآلاف عندما قام بقياس نشاط أدمغة مرتكبي أعمال عنف وجرائم وحشية وقتلة وسارقين.
وبجانب أدمغة المجرمين هناك أدمغة المبدعين التي اهتمت بها «شيلي كارسون» الباحثة في علم النفس في جامعة هارفارد ألفت كتابها الموسوم «عقلك المبدع» Your Creative Brain الذي يتحدث عن الجوانب السيكولوجية (النفسية) وجوانب علوم الأعصاب، المرتبطة بالإبداع، كما يتحدث عن الخطوات التي يمكن للإنسان اتخاذها لكي يصبح أكثر إبداعاً.
وسبقها في عام 1950 الباحث النفسي الأميركي جيه.بي.غيلفورد عندما ناشد العلماء بقوله: «رجاء، تعالوا نبدأ بدراسة الإبداع». الذي لا يستأثر به الشخص المكتمل بدنياً وعقلياً وحده، وإنما يمكن أن يشترك فيه معه أشخاص، الحوادث التي مروا بها حولتهم إلى مبدعين، فقد ظلت «أليسون سيلفا» تجذب الجميع إلى فنها الرائع الذي تميزت فيه بطابعها الخاص، إلى أن اكتشف في عام 2006 أنها تعاني من خلل ونزيف في الفص الأيسر من الدماغ والذي تسبب في أن تعاني من أزمات نفسية ورؤية غير واضحة وتخيلات، هذا إلى جانب النوبات العصبية التي كانت تتكرر لها، قررت سيلفا ألا تستكمل العلاج وأن تستسلم للخيالات التي تسبب فيها مرضها مما زاد من وحيها الفني وأنتجت العديد من اللوحات الفنية التي تجسد فيها ما تراه.
وقرأت أن الحوادث قد تكون هي مصدر الإلهام الأول للنجم «داستن هوفمان» عندما قدم شخصيته في فيلم «Rain Man»، وبالرغم من أن الفيلم جسد بيك على أنه مصاب بالتوحد فقط، إلا أنه كان يعاني من إصابة في الدماغ، مع وجود خلل نادر في الجينات الوراثية التي تتسبب في حركة سير غير طبيعية.
عرف عن بيك قدرة ذاكرته الخارقة التي كان يتمتع بها، فكان بإمكانه أن يتذكر بعض الشفرات الصعبة بالإضافة إلى الأرقام والتواريخ في ثوان قليلة، وكان تحليل العلماء أن الخلل الذي نشأ بين الخلايا العصبية للدماغ تسبب في تطوير العقل لذاكرته لتكون لها قدرة استيعابية نادرة، مما أدى إلى تغيير مجرى حياة بيك حتى يوم وفاته عام 2009 حيث أصبح من أشهر الأشخاص في العالم، كما أنه ساهم في مساعدة العديدين في التعرف على طبيعة الظروف التي يعانيها أصحاب الاحتياجات الخاصة.
الرأس مقر الفرق بين البشر مادة اهتمام الرئيس أوباما وهو يعلن عن مبادرة لدراسة الدماغ البشري أطلق عليها اسم «برين» أي الدماغ بالعربية وترمز أحرفها إلى «مبادرة أبحاث الدماغ بتوظيف التقنيات المبتكرة المطورة في علوم الأعصاب» بهدف التعرف على أسرار عمل الدماغ، ومن المحتمل تخصيص ميزانية سنوية للمبادرة تبلغ مئة مليون دولار بدءاً من العام المقبل 2014، أي ما يعادل 375مليون ريال سعودي يا بشر الفرق بينكم يكمن في رؤوسكم وليس في حسابات بنكية متخمة بفعل الفساد!!.
bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443
Twitter: @HudALMoajil