لم يكن تصريح - أمين عام حزب الله - السيد حسن نصر الله، في كلمته التي ألقاها - قبل أيام - بأن «انغماس حزب الله عسكرياً في الوضع السوري، يعبّر عن توجه استراتيجي، هدفه عدم السماح بسقوط نظام - الرئيس - بشار الأسد»، سوى تحديد لمعالم المرحلة القادمة، والإعلان عن إطلاق معركة ما بعد القصير - جنباً إلى جنب - وفي أكثر من موضع على الأراضي السورية؛ ليكون التدخل العلني لحزب الله اللبناني في الأزمة السورية، طريقا نحو حرب أهلية طويلة قادمة، ولإعطاء رسالة إلى مختلف القوى الإقليمية، بأن الحل القادم في سورية، لا بد أن يكون سياسياً، كونه جزءاً من الحل.
ما يحدث في القصير، يحمل أبعاداً استراتيجية لحزب الله، بعيدة كل البعد عن الاستحقاقات الداخلية لدولة لبنان؛ من أجل التكيف مع التغيرات التي ستتعرض لها المنطقة، ومن ذلك: إعادة رسم الأدوار الإقليمية الجديدة، التي ستبرز بعد مؤتمر جنيف 2، التي أخشى: أن تكون مقدمة لتدخل عسكري إقليمي أكبر في سورية، وهو ما سيجعل من حزب الله عنصراً فاعلاً، ورقماً صعباً في اللعبة القادمة؛ لفرض نفوذ إيران في المنطقة من جهة، وحماية مشروعها النووي من جهة أخرى.
تكمن أهمية القصير في حال كسب حزب الله المعركة، بأن الطريق سيفتح أمام قوات النظام نحو حمص - وبالتالي - العمل على زيادة الضغط العسكري على قوات الجيش الحر، التي تشكل خطراً على القرى الشيعية عند الحدود مع لبنان - إضافة - إلى سيطرته على مطار «الضبعة» وقرى وبلدات مهمة تقع على مجرى نهر العاصي، وسيطرته على منطقة واسعة من ريفي - القصير وحمص - لتتصل بالمناطق الساحلية وصولا إلى طرطوس، وهي منطقة ذات غالبية ساحقة من العلوية، والشيعية.
وفي هذا السياق المتعدد للخطاب الإيراني، تتموضع معركة القصير إقليمياً، وهو ما يؤكده - الباحث المتخصص في المشرق العربي والحركات الإسلامية - شفيق شقير، بأن «تعيد الحديث عن إيجاد جغرافيا آمنة لنظام الرئيس بشار الأسد في حال تدهور الأوضاع في دمشق، وانعدام الأمن فيها فضلاً عن سقوطها وهي المنطقة الممتدة ما بين حمص واللاذقية، وبهذا تكون مطلباً إيرانياً، وسورياً، وهمزته الواصلة هو حزب الله، والقرى الشيعية الحدودية في ريف القصير، أو قُل: غرب نهر العاصي؛ لأن تعثر الصلة بين القاعدة الخلفية لحزب الله في منطقة الهرمل اللبنانية، وجوارها، والامتداد السوري، ستخلق أوضاعاً لوجستية صعبة لحزب الله؛ لمواجهة أية تطورات خلال هذه المرحلة الراهنة - على الأقل - التي قد تتطلب منه مدداً مستمراً من السلاح - لاسيما - في حال تجدد المواجهة العسكرية مع إسرائيل بشكل واسع لأي سبب، وكذلك في حال تعرض إيران لأية ضربة عسكرية، قد تتطلب من الحزب أن يكون جزءاً من الرد، - فضلاً - عن استمرار قوى التحالف - الإيراني السوري - في لبنان، أي: قوى 8 آذار».
في المقابل، فإن الساحة اللبنانية لن تكون بمأمن من الفتنة المذهبية، التي ازداد توترها بعد مشاركة حزب الله في معارك القصير، الأمر الذي سيمهد لتأجيج الحسابات الطائفية - مرة أخرى - وهو ما سينذر بتطورات خطيرة على مختلف الأوضاع السياسية، والأمنية، والمذهبية.
drsasq@gmail.com
باحث في السياسة الشرعية