|
الجزيرة - المحليات:
أكَّد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامَّة للسياحة والآثار على أن عملية الحفاظ على التراث العمراني في المملكة كان مشروعًا إنقاذيًّا ثقافيًّا وطنيًّا وتحوّل إلى مشروع تنموي واقتصادي.
وأشار الأمير سلطان بن سلمان في الكلمة التي ألقاها أمس (الاثنين) في حفل افتتاح الملتقى الدَّوْلي للحفاظ على التراث العمراني الذي أقيم في دبي أمس الاثنين برعاية سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي إلى أن المملكة تبنَّت منظور أن التراث لا يعني القديم فقط، وقامت أجهزة الدَّوْلة ممثَّلةً في الهيئة العامَّة للسياحة والآثار وشركائها بتبنِّي عددٍ من البرامج التي تركز على تغيير هذه النظرة السلبية بدءًا من المدارس من خلال برامجَ مركزةٍ مع وزارة التَّربية والتَّعليم، مثل: التراث يغني، وبرامجَ توعويةٍ مستمرةٍ للسكان المحليين، وإطلاق برنامج ثمين، الذي انطلق في هذا العام بمشاركة القطاع الخاص وسكان القرى التراثية والبلديات المحليَّة ومسؤولي المناطق، متخذًا شعارًا له: (من الاندثار إلى الاستثمار)، إضافة إلى إطلاق حملةٍ تثقيفيةٍ وإعلاميَّة للتوعية بالتراث العمراني الوطني ودورة في مستقبل المواطن، وتأسيس مركز التراث العمراني الوطني.
وقال: إنه كان هناك ازدراء للتراث العمراني وكانت النظرة السائدة هي أن التراث العمراني يمثِّل التخلف والرجعية وأنّه يجب التخلص من هذا التراث وكان هناك غيابٌ للمعلومات ولم يكن هناك تفكيرٌ جادٌ في بناء قواعد معلومات لتوثيق وأرشفة هذا التراث إلى جانب غياب الوعي المجتمعي بأهمية المحافظة على التراث ولم يكن هناك أنظمة واضحة تحمى التراث أو تنظم البناء في المناطق التراثية، ولم يكن هناك أيّ توجه استثماري اجتماعي لمواقع التراث العمراني وكانت مواقع التراث العمراني خارج منظومة التنمية بِشَكلٍّ كاملٍ، كما كان هناك تدميٌر غير مقنن لمواقع التراث العمراني التي كانت تشكّل عبئًا كبيرًا على المدن والقرى، مؤكدًا أن الواقع تغيَّر الآن بعد أن صار المواطنون يبادرون بالحفاظ على مبانيهم التراثية وقامت مشروعات للتراث العمراني.
وتطرَّق سموه لمبادرة البعد الحضاري للمملكة التي تعمل عليها الهيئة برعاية ودعم من القيادة في المملكة وتشمل عددًا من البرامج والأنشطة لإبراز البعد الحضاري والموروث التاريخي للمملكة، وقال: إن مبادرة البعد الحضاري للمملكة تتكون من ثلاثة مجالات تشمل التوعية المجتمعية ومشروعات الآثار والمتاحف والتراث العمراني، واستعادة الآثار، وتركز المبادرة على مسألة الهوية الوطنيَّة والانتماء للمكان، مؤكدًا أن التراث العمراني يمثِّل جزءًا مهمًا وأساسيًّا من هذا المشروع وتُعدُّ المحافظة عليه مهمة أساسيَّة لتحقيق أهدافه.
واستعرض سمو الأمير سلطان بن سلمان التنظيم المؤسسي للتراث العمراني في المملكة، مشيرًا إلى إنشاء مركز التراث العمراني الوطني عام 2011 للعمل على تنظيم المحافظة على التراث العمراني وتنميته، وأشار إلى أن المركز عمل على تطوير خطة وطنيَّة مكوَّنة من 8 مسارات أساسيَّة، المسار الأول إنشاء السّجل الوطني للتراث العمراني، والمسار الثاني التشريعات والتنظيمات وشمل العمل إصدار نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني والعمل مع وزارة الشؤون البلدية على تطوير تنظيمات تحكم العمل والبناء في المواقع التراثية، والمسار الثالث التنمية والتطوير من خلال العمل على تبنى خطة وطنيَّة ذات أولويات تنموية واضحة تحقق التنمية المتوازنة للقرى والمدن وتبنى مشروعات تطويرية لمواقع التراث العمرانية خصوصًا في القرى التراثية، وتعمل الهيئة على 10 مشروعات في الوقت الراهن، وإشراك المواطنين في عملية التنمية وفتح مجالات العمل لتحويل مواقع التراث العمراني إلى محطات سياحيَّة متكاملة وأيْضًا العمل على تحويل المواقع التراثية إلى مواقع حية ومعاشة لتحقيق الارتباط بين المواطن وتاريخ بلاده، والمسار الرابع التَّعليم والتدريب، مشيرًا في هذا الصَّدد إلى التنسيق بين عمداء كلِّيات العمارة والآثار من أجل تطوير مناهج التَّعليم العالي لخدمة التراث العمراني في المملكة، وكذلك تطوير دورات تدريبيَّة صيفيَّة أكاديمية لطلاب كلِّيات العمارة والآثار للعمل في مواقع التراث العمراني، وتنظيم دورات تدريبيَّة ضمن برنامج (لا يطيح) لتدريب أفراد المجتمع كي يقوموا بترميم مبانيهم، والمسار الخامس التقنيَّة والبحوث، مشيرًا إلى تبنى كراسي علميَّة في مجال التراث العمراني مثل (كرسي الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني في جامعة الملك سعود)، وإنشاء مركز بحوث البناء بالطين في جامعة الملك سعود وإنشاء مراكز تميز بحثي في مجال التراث العمراني في الجامعات السعوديَّة، والمسار السادس التوعية الاجتماعيَّة وتهيئة المجتمعات المحليَّة من خلال ربط التراث العمراني بالمواطنين من خلال برنامج (عيش وطنك) وربط التراث العمراني بتاريخ الوحدة الوطنيَّة التي شارك في بنائها جميع المواطنين وعقد ملتقى التراث العمراني الوطني السنوي، وتبني برامج اجتماعيَّة لنشر ثقافة التراث العمراني في المملكة وإنشاء مجموعات أصدقاء التراث العمراني في كلِّ مدن المملكة وتبنى جمعية أصدقاء التراث العماني على مستوى طلاب الجامعات السعوديَّة.
وقد قام سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم بتكريم الأمير سلطان بن سلمان ضمن تكريم المتحدثين في المؤتمر وشمل التكريم معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وزيرة الثَّقافة البحرينية التي ألقت خلال جلسات المؤتمر كلمة حول الحفاظ على التراث العمراني في مملكة البحرين.
بعد ذلك رافق سمو الأمير سلطان بن سلمان سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم في افتتاح المعرض المصاحب للمؤتمر وبجولة اطلعا خلالها على الأجنحة العارضة الذي يعرض أهم ما توصلت لها الشركات العاملة في مجال الحفاظ على التراث العمراني: بالإضافة إلى وجود الجهات الحكوميَّة العاملة في مجال ترميم المباني التاريخية وتأهيلها وإدارتها.
وفي تصريحات صحفية أشار الأمير سلطان إلى أهمية هذه المؤتمرات في تحقيق التواصل بين الدول المشاركة ومن بينها المملكة العربيَّة السعوديَّة والإمارات وغيرهما من الدول الخليجيَّة، مشيرًا إلى أن هذا التواصل أسري قبل أن يكون تواصل المؤسسات والمؤتمرات، مؤكدًا على أن التواصل الأخوي والأسرى والثقافي وعلى جميع المستويات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة بين الدول الخليجيَّة منذ تأسيس هذه الدول، مشيدًا بتجربة دبي والإمارات في مجال الحفاظ على التراث، مشيرًا إلى أنهَّا إحدى القيم الأساسيَّة التي غرسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- الذي قال: من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل.