كلما رأيت أو التقيت بشخصيات إدارية ناجحة، تدير مصالح حكومية أو مؤسسات خاصة، مكتفية بشهادتها الدراسية الأصلية، زاد احترامي لها، وتقديري ثقتها بنفسها، في وقت انتشرت فيه حُمى الشهادات العليا بسبب التبجيل لحملتها، والتسهيل لهم في نيل المناصب، والاحتفاء بهم، سواء في حضور المؤتمرات العالمية أو المناسبات العائلية! وهو ما حدا بأشخاص كثيرين لنيلها بطريق غير نظامية، ولا طريق للحصول عليها سوى دفع المال لبعض الجامعات غير المعترف بها، سواء عربية أو أجنبية!
والعجيب أن وزارة التربية والتعليم حين اكتشفت هذه الحيلة من بعض منسوبيها نبَّهت من التحايل عليها، إلا أنها اكتشفت أعداداً هائلة منهم وقد قلدوا أنفسهم شهادات عليا؛ فاكتفت أخيراً بعدم وضع حرف الدال الوهمي أمام أسماء أصحاب المناصب دون الاستغناء عنهم، بالرغم من أنهم حصلوا عن طريقها على المنصب. والمؤسف أن بعضهم بدرجة مدير عام ومديري إدارات!
ومن الطريف قيام أحد الناشطين مؤخراً بكشف وفضح بعض حملة شهادات الدكتوراه والماجستير، واتضح أن أحدهم يحمل شهادة دكتوراه في علوم الفلك، بالرغم من أن تخصصه الجامعي شريعة! والمضحك أن بعض الدعاة لديه شهادة عليا من أمريكا وأوروبا، وهو لا يجيد الإنجليزية تحدثاً وكتابة، بل يحارب فكر بلاد الكفار والتغريب والابتعاث!
ولأن مجتمعنا متسامح كثيراً، وكريم جداً، فإنه بات يمنح هذا اللقب مخاطبة لكل مثقف وكاتب وباحث، حتى بدأ بعض الأشخاص يشعرون بالحرج من تحميلهم هذا المسمى دون استحقاق له، ولاسيما أن الشهادة الحقيقية تستنزف من الشخص جهده ووقته وبعض شبابه؛ فليس من العدالة مساواة شخص تعب مع آخر قصّرت به ظروفه وإمكانياته أو قدراته أو حتى كسله.
والمدهش سعي بعض الناس للحصول على أكثر من لقب مثل فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور، وأحياناً يُضاف لها المحامي أو المستشار، ناهيك عن صاحب معالي سابق يجمع كل تلك الألقاب حتى تعجب من جذل الشخص وفرحه بالاستحواذ عليها. والواقع أنه ليس للمجتمع من تلك الأسماء سوى ما يقدمه أو قدمه المرء لأمته.
وكلما تحرر المرء من تلك الألقاب كان قريباً للناس، خفيفاً على النفس؛ حيث تخلق حواجز عندما تكون حقيقية، فما بالك حين تكون وهمية! والمزعج حينما تضطر بابتداء مناداة شخص بها وأنت تعلم يقيناً أنه لا يستحقها! وكثير من هؤلاء تفضحهم اللقاءات التلفزيونية؛ حيث يظهر أثناء اللقاء ضعيفاً في طرحه وبأسلوب حديثه ومناقشته للمحاور، وباستخدامه مصطلحات غير علمية بل أحيانا سوقية، وكأنه لم يستكمل دراسته في التعليم العام! ولكنه أتم مقومات الوجاهة والمال!
rogaia143@hotmail.com
Twitter @rogaia_hwoiriny