الرياضة السعودية إنفاق بلا مردود! هذا ما يمكن تلخيصه في هذه القضية التي استهلكت من الميزانية أموالا طائلة على مدى أكثر من أربعين عاماً دون أن تحقق إنجازا يصل إلى ما يأمله الرياضيون ومحبو هذا الوطن الكريم.
تتعاقد الرئاسة العامة لرعاية الشباب والأندية الرياضية مع لاعبين ومدربين عالميين بمبالغ خيالية، ومكافآت سخية للاعبين، ونقل تلفزيوني، ونفقات إدارية باهظة، والجدوى إلى الآن على المستوى التنافسي العالمي صفر!
مليون ريال الراتب الشهري لريكارد أحد لاعبي هولندا! غير النفقات الأخرى؟! ماذا صنع للوطن هذا المدرب؟!
وإذا كان أحد أعضاء مجلس الشورى ذكر أن راتبه يساوي ما يستلمه عداً ونقداً عشرة وزراء يديرون عشر وزارات بما يبذلونه من جهد وما يسيرونه من أعمال؛ فإن هذا المبلغ الذي نكبه كباً بلا مبالاة في حضن المدرب الأجنبي يعيش به أكثر من خمسين أستاذ جامعة، أو أكثر من ثلاثمائة موظف حكومي متوسط الدخل، أو أكثر من ألف مواطن يعيشون على حافز!
ماذا قدمت الرياضة السعودية طوال هذه العقود من الزمن للوطن على الرغم من الإنفاق على المدربين واللاعبين والهيئات الإدارية، ومن التحفيز الإعلامي المبالغ فيه، فبالإضافة إلى الملاحق الرياضية وعشرات الصحف الملتهبة المخصصة للرياضة في صحافتنا لدينا قناة رياضية خاصة تعقد الندوات المزدحمة في أغلب ساعات بثها، ويحضرها أساطين التحليل والعلم الكروي، وتشتد نقاشاتهم ويعلو حماسهم إلى درجة أنك تشعر أن القضية المثارة ليست كرة تدحرج في الملاعب؛ بل حربا وشيكة الاندلاع، أو أزمة عربية مزمنة، أو ظاهرة الثورات العربية، أو البطالة وفرص العمل الشحيحة، أو الفساد الإداري والمالي في بعض الضمائر! وست قنوات أخرى (محجوزة) للطوارئ الرياضية عند وقوع حدث رياضي لا تستوعبه قناة واحدة!
قــدم مغبرة في أحد حواري الريـاض القديمة تعـــادل ألف عقل علمي في أرقـى الجامعات الســـعودية! قدم تائهة تجد طريقها يوما مفروشا بمئات الألوف إلى ناد يعبث ويجرب ويحاول، ثم إلى منتخب يتكون ويطمح ولكن طموحه بقدر إمكاناته لا يكاد يتجاوز مستوى الأندية أو الحارات التي نبتت فيها تلك الأقدام النحيلة!
وفي المقابل النقيض نجد ما يثير الأسى والألم؛ فما ينفق على الثقافة شيء مضحك ومحبط ولا يدل إلا على أننا لا نمنح للجد عشر معشار ما نمنحه للهو!
فراتب المليون ريال شهريا لمدرب المنتخب الهولندي يفوق جائزة ستة أدباء مسنين أفنوا أعمارهم في الدرس والبحث والتأليف في جائزة الدولة (المحجوبة) وعشرة مثقفين سعوديين أبدعوا وكتبوا وتنافسوا على جائزة وزارة الثقافة السنوية المستحدثة!
إذا أردنا أن نرسم صورة حقيقية وزاهية لبلادنا؛ فليس من خلال الهدر المالي غير المحسوب؛ وإنما بإحسان الإنفاق حيث يجب أن يكون وبقدر ما يحقق من فوائد، وبالتوازن أيضا بين الواجبات، فليس من المعقول أن نولي كل الاهتمام للرياضة بإنفاق ملايين الريالات دون أن تتحقق الجدوى ولا يجد الأديب أو المثقف أو المبدع ما يسدد به كلفة طباعة إبداعه، أو لا يجد ما يكفل له وأسرته حياة كريمة على حين تقود تلك القدم الذهبية المغبرة صاحبها الشاب إلى الترف والنجومية والثراء!.
قدم تساوي ألف قلم! لذا لم نحقق شيئا يذكر على مستوى الرياضة ولا أحد يعلم عنا شيئا يذكر على مستوى الثقافة؛ فمازلنا عند كثيرين أولئك الجهلاء من الأعراب!
ksa-7007@hotmail.com