كتبت الأستاذة الدكتورة فوزية البكر بتاريخ 12 رجب 1433هـ/ 2 يونيو 2012م في صحيفة الجزيرة (ع 14492) مقالاً بعنوان (خريجات التاريخ والحضارة يصرخن في وجه الوطن: نركض وراء وظيفة منذ 15 سنة!!) ناقشت فيه وضع خريجات العلوم الإنسانية والتربوية وعلى الأخص خريجات قسم التاريخ وعدم حصولهن على فرص وظيفية رغم مضي فترات زمنية طويلة، وهذه المشكلة كتب عنها في فترات سابقة، وقد يكتب عنها لاحقاً لأن كل خريج يترقب الحصول على فرصة عمل مهما كان وضعه، ويشعر ان من حقه أن يتحصل على وظيفة مناسبة.
ولكن كما نعرف فإن خريجات قسم التاريخ وقسم الجغرافيا وأقسام إنسانية أخرى غالباً ما يعيَّن في وظائف تعليمية بتدريس طالبات مختلف المراحل ما قبل الجامعية مواد مقارنة بتخصصاتهن، وقد تكون هناك مشكلات لا نعرفها تعيق الاستمرار في توظيف الخريجات، وهذا الأمر ترد عليه وزارة الخدمة المدنية ووزارة التربية والتعليم، ولكن سأركز حديثي على قسم التاريخ فأقول:
إن استمرار أقسام التاريخ للبنين والبنات على منهجها القديم وهو تدريس التاريخ كمواد جامدة تركز على أحداث وقضايا تاريخية قديمة دون استنتاج العبر وربطها بالحاضر، ودون القدرة على التقصي والتحليل ودون القدرة على تكوين وجهة نظر حول قضية معينة، ثم عدم التوسع في مفهوم التاريخ والإكثار من المواد ذات التخصص الدقيق التي تقدم معرفة علمية دقيقة أدى كل ذلك إلى أن أصبحت النظرة إلى أقسام خريجي العلوم الإنسانية وعلى وجه الخصوص التاريخ تشكل عبئاً على المجتمع وهو ما دفع ببعض الجامعات إلى إغلاق بعض هذه الأقسام وتفكير جامعات أخرى في إغلاقها.
إن الخروج من هذا المأزق لا يكون بإغلاق أقسام التاريخ ولا بالتفكير في تغيير المسميات، ولا في التركيز على سوق العمل، بل في إعطاء تدريس التاريخ حقه باعتباره مادة أساسية لا غنى عنها في كل المجالات لأنها تعد الأساس الذي يبنى عليه إستراتيجياً وعلمياً وعسكرياً واجتماعياً وإلى غير ذلك.
إن الجمود الذي وقع على تخصص التاريخ هو الذي أدى إلى النظرة غير الإيجابية إليه، ولا يمكن أن نعفي أعضاء هيئة التدريس مما وقع عليه من سلبيات، فكثير منهم لازالوا يصرون على السير على مبدأ تقديم الأحداث وسردها ميتة، والكثير منهم لا يعرف أي مستجدات في تخصصه لأنه اكتفى بقراءة ما تحصل عليه في تعليمه الأولي وفي مرحلة الدراسات العليا، والكثير منهم لا يلمون بثقافة العصر أو حتى بثقافة التاريخ الواسعة.
نحتاج إلى رؤية جديدة تستمد من تجارب الأمم المتقدمة، كيف عالجت هذا الموضوع، وكيف سخّرت التاريخ ليكون نبراساً للفخر بالهوية الوطنية والانتماء القومي.
لابد من تفكير جاد في الكيفية التي نعالج بها هذه المشكلة من خلال تطوير المناهج، وتعدد المسارات والتوسع في دراسة مفهوم التاريخ وشموليته، فللعلوم تاريخها، وللمجتمع تاريخه، وللاقتصاد تاريخه، وللحروب تاريخها، وكل مجال من مجالات الحياة له تاريخه.
فما أوسع دائرة هذا العلم وما أضيق الدائرة التي ننطلق نحن في نظرتنا إليه.