ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Wednesday 06/06/2012/2012 Issue 14496  14496 الاربعاء 16 رجب 1433 العدد  

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كل الأمهات مكافحات ولكن لشدة تعودنا على رؤيتهن منغمسات في المخاضات اليومية لانعود نلحظ تلألأ العرق على الجباه الشماء. المفروض أن يكون مقالي اليوم السلسلة الثالثة في شجن انتقال أمي لضيافة الرحمن إلا أنني وفاء لما تعلمته منها من درس الالتزام كشرط للطيران,

لم أستطع أن أجد وقتا. تحت ضغط الاختبارات وتسليم الرسائل الجامعية وخططها البحثية، أختلي بها وبنفسي بما يعطي كتابة الحزن ماتحتاجه من فضاءات جارحة وشاسعة. فكان لابد أن أهادن لوعتي وأغطيها بغلالة اليومي من إيقاع الحياة فيما أترك حنيني إلى تلك الروح الحرة يحلق بعيدا في فلات المطلق. وقد رأيت أن شاء, أبو بشار أن أشرك القراء في لمحة عن حياة أمي كما يشاركونني في مصابي وتصبري. تحقيق أجرته الصحفية السيدة فاتن حجازي (لم ينشر في صحيفة) إجابات رائدة من أوائل رائدات المجتمع السعودي في مجال تصميم الملابس ومجال العمل التجاري الشريفة نور الهاشمي.

س1: من هي الشريفة نور الهاشمي أرجو توضيح مكان الميلاد/ النشأة؟

جـ1: أنا امرأة عربية مسلمة ولدت ونبعت في أرض النبوة بوادي كان غير ذي زرع. قيض الله له امرأة شجاعة لتكون أول من يعمره عندما تفجرت على يديها بئر زمزم. فقامت برعاية ابنها سيدنا إسماعيل عليه السلام وأجرت حولها أسباب الحياة. وقد كانت السيدة هاجر ذلك المثال المبكر والبكر على أرض مكة المكرمة التي ضربت أول الأمثلة على أهلية المرأة بما أعطاها الله من عقل وقوة إيمان وصبر جميل, فلم تجزع ولم تهن عندما وقفت وحيدة مع طفلها على هذه الأرض.

كما أنني سليلة أولئك النساء سيدة الأعمال السيدة خديجة بنت خويلد التي كرمها الله بأن تكون أول مسلمة في الإسلام كما كرمها بأن تكون زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول أم من أمهات المؤمنين, وكذلك سليلة السيدة سمية آل ياسر التي كرمها الله بأن تكون أول شهيدة في سبيل الدين الذي آمنت به، والسيدة أسماء بنت أبي بكر التي كانت أثناء حملها أول فدائية تخاطر بحياتها وهي شابة صغيرة على الطريق الوعرة إلى غار ثور من أجل دعوة آمنت بها. والسيدة صفية التي كانت أول حامية حمى في غزوة الخندق.

وهذه هي صور النساء التي نشأت على استلهامها لحياتي منذ كنت طفلة صغيرة اختطفت من صدر أمها وهي بنت أربعين يوما فلم تبق مرضعة بمكة إلا أصبحت أمها. واختطفها موت والدها من الكتاب بعد أن أودع مخيلة طفولتي بقصص حياة هؤلاء النساء التي بدت لي في ذلك العمر ضربا من المعجزات. وكأن أبي كان يحاول في ذلك الوقت القصير أن يعوضني عما لحق بي من ظلم فادح وأنا رضيعة بعد, نظرا لغياب أمي أو كأنه كان يعرف باقتراب غيابه وبأنه سيتعين علي قبل التاسعة أن استعد لصنع معجزة حياتي لوحدي تقريبا. هذا الكلام لا أقوله للجريدة أو المجلة ولكني أقوله لأنني في ذلك العمر الطري كنتُ أسمع عن وأد البنات في بطاح مكة كما كنت أسمع عن سيرة هؤلاء الصحابيات, كذلك كنت أرى الوضع اليومي للنساء. وكان علي أن أفكر أياً من هذه المصائر علي أن أختار لمستقبلي. غير أن المشكلة أنه لم يكن من يعطينا حق الاختيار فقد تزوجت صغيرة جدا, وكان طريقا وعرا ولكني مشيته بمشيئة الله وتجنبت فيه الكثير من الكبوات ثم بذلك الوعي الإلهامي تغلبت على الكثير الكثير من الصعاب التي كانت كلما غلبتني أغالبها ولا استسلم.

س2- مراحل التعليم التي وصلتي لها/ أولادك ودرجاتهم العلمية؟

ج- بالنسبة لتعليمي عليك أن تعلمي أنني انتزعت من الكتاب ولم أختم جزء عم، وقد تم ذلك بشكل مؤلم بل مفجع لن أنساه إلى أن تحك قدمي صابونة الغسالة ويدثرني الكفن فقد حزو يدي بمشرط الحجامة لأنني حاولت الكتابة، ولكن بفضل الله علمتني نفسي فيما بعد بالمواظبة على قراءة المصحف وبمشاركة بناتي وأبنائي كتبهم المدرسية عندما كانوا أطفالا. وقد قرأت كتبا من عيون الأدب وفي علم النفس وفي السياسة والفقه مما كنتُ أحضره بنفسي للأبناء ونقرأه معا. بل إنه حين كانت الرقابة مشددة على الكتب ولم تكن الكتب متوفرة في الأسواق مثل الآن، كنتُ أتحزم بالكتب حول خصري وأدخلها معي وأكون قد اقتنيتها من مكتبات لبنان لنقوم بالاطلاع والقراءة.

وقد دفعتُ بناتي وأبنائي للتعليم بكل طاقتي وخاصة بناتي لأنني أردت لهم أن ينهلوا من نبع العلم الذي حرمت منه ردحا من الزمن قبل أن أواصل تعليمي مع صغاري. أما أولادي فلا أتحدث عنهم وأرجو من الله أن تتحدث عني وعنهم الأعمال الطيبة.

س3- ماالذي جعلك تفكرين في اختراق سوق العمل؟

ج3- والله العمل عبادة والغريب أن الناس بدل ماتسأل من لا تفكر في العمل لماذا لا تعملين لأن اليد العليا خير من اليد السفلى كما علمنا رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم وكذلك لأن “اليد العاطلة عن العمل نجسة” كما يقول المثل فإن الناس على العكس تسأل وخصوصا فيما مضى لماذا هذه المرأة تعمل، هل هي محتاجة إن لم يقولوا معوزة، هل تريد أن تزاحم الرجال هل وهل.. ونادرا ما يعترفون لها بحقها في أن تعمل بل إن من واجبها المشاركة في العمل وبناء وطنها ما دامت قادرة على العمل وعندها الرغبة والإرادة والصبر لأن العمل بطبيعة الحال يتطلب مجالدة خصوصا في الظروف التي لا ترحب بوجود المرأة في سوق العمل.

وأضيف هنا ما أردده دائما على مسامع بناتي وأبنائي لا تقل أصلي وفصلي يا فتى إنما أصل الفتى ما قد وعمل.

س4- ما الدافع الذي جعلك تصممي على تعليم بناتك وأولادك وتواصلي تعليمك معهم؟

ج4- ماذا يمكن أن يكون لدي من دافع أكثر من أن العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وقد حثنا ديننا على طلب العلم من المهد إلى اللحد ودفعنا لطلبه ولو في الصين. وقد كان العلم هو الثمن الغالي الذي اشترطه الرسول صلى الله عليه وسلم مقابل حرية الأسرى لدى المسلمين بعد غزوة بدر. فكان لكل من أراد حريته أن يعلم عشرة من المسلمين. لا يمكن أن ندعي فهم ديننا الإسلامي إذا لم نستلهم هذه الأمثلة العظيمة لقيمة العلم التي تركها فينا سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونحن اليوم وفي هذه الحالة من الهوان التي صار عليها حالنا كمسلمين أحوج ما نكون لامتلاك ناصية العلم فقد صار العلم هو اللسان لمن أراد فصاحة والسلاح لمن أراد قتالا.

وكما قلت لك فإن حرماني من كأس العلم في وقت مبكر جعلني أقطع عهدا على نفسي أنني بعون الله سأعمل ولو أقتضى الأمر أن أقطع اللقمة عن فمي على تعليم جميع أبنائي ذكورا وإناثا، فكيف وقد وفرت الدولة التعليم والحمد لله بالمجان. بل اعلمي بابنتي أنه ما عمل معي مخلوق خلقه ربي من امرأة أو رجل ولم يحظ بفرصة الكتابة والقراءة إلا وحاولت توفير ذلك ولو اقتطعت من وقت العمل وقتا ليتعلموا. فحب العلم نعمة يمنحها الله للإنسان مثل حب الحياة.

Fowziyaat@hotmail.com
 

لمحة من كفاح أمي
د.فوزية أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة جريدتي الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة