حينما كنا صغاراً وحسب الثقافة الشعبية السائدة يومها لدينا، كان الكبار لا يحبّذون أن نأتي بسيرة (الجنّي) على ألسنتنا، فحالما نتحدث عنهم حتى يذكروننا بكل حذر ألا نذكر الاسم وأن نستبدله بـ (أهل الأرض) أو (أهل بسم الله)!..
وقد درجنا على ذلك حتى خُيّل إلي بأننا نستخدم التورية حتى لا يسمع الجن اسمه فيأتينا حقاً.. كان البعض يتعاملون مع هذا الأمر بمنتهى الجهل وبناء عليه يحدث منهم الكثير من السلوكيات المبالغ بها والتي لا تخلو من طرافة تبعث على الضحك وأحياناً التعاطف والرثاء..
ولا يزال ذلك الأمر موجوداً لدى البعض حتى وقتنا الحالي..
من ضمن هذه السلوكيات، عدم سكب الماء المغلي في البالوعة مباشرة فهي موقع مناسب للجن، هذه الاعتقادات حول (الجن) والتي يعتريها المبالغة والتشويش أحياناً موجودة لدى الكثير من الشعوب عربية كانت أو غيرها، أتذكر أنني قرأت في رواية رباعية الاسكندرية لـ (لورانس داريل) يتحدث عن أحد شخصيات الرواية يقول بأنه كان حين يدخل بيت الخلاء ويهمّ بالجلوس إلى (المرحاض) يقول بصوت عالٍ (دستور!) فلديه اعتقاد أن الجن موجودون داخل المرحاض وأنه حالما يجلس سوف يسحبونه إلى عالمهم، أعود إلى حديثي حول الجن، بسبب هذه الاعتقادات المختلفة والمبالغات وبدافع فضول طفولي كنت أحاول بشتى الطرق تخيل كيف تبدو هيئة هؤلاء الجن، وكنت أتخيلهم أحياناً أشبه بأجسام هلامية وأحياناً زجاجية! حتى قرأت الأساطير الشعبية للجهيمان رحمه الله ورأيت تلك الصور للجن فاقتنعت فترة من الوقت في ذلك الزمن أن الجن هم أولئك المصورون أمامي حيث تم تصوير الجن تقريباً على نفس الهيئة، هيئة رجل عادي يخلو وجهه غالباً من أي تعبيرات إنسانية، أصلع له خصلة شعر واحدة تعتلي رأسه وربما شعرة واحدة فقط، إذا هذا هو الجني! الآن في عصرنا الحديث يبدو لي أن (الهَكَر) فيه من صفات الجنّي..
هناك التخفّي والتلبس واقتراف سلوكيات غريبة..
ففي الفترة الماضية تم اختراق أكثر من حساب على التويتر لبعض الشخصيات (كتاب وإعلاميون وناشطون سياسيون) وكنت شاهد عيان على لحظة اختراق أحدهم حيث كنت أتبعه على التويتر، وهو من المنطقة الغربية، فجأة تغيرت لهجة التغريدات وأصبحت تميل أكثر إلى النجدية هذا عدا أن المضمون أصبح مختلفاً تماماً..
أذهلني الأمر وأخذت أتأمله من بعيد خشية أن أبدي أي اعتراض أو امتعاض فيأتي دوري بالاختراق، بقيت أتأمل من بعيد وتذكرت صبيان الحارة الأشرار العابثون قديماً الذين لا رادع لهم، فهم يستمتعون بإيذاء الآخرين والإساءة إليهم هكذا دونما هدف عدا استعراض العضلات أو الذكاء أمام الآخرين لتحقيق ذواتهم وهم لا يعلمون بأن ذلك هو عين الخطأ.