|
الحدود التركية السورية - اسر المعارك:
مع تصاعد الأحداث المؤسفة التي يمر بها الشعب السوري على أيدي ميليشيات وكتائب الأسد، وازدياد أعداد القتلى والجرحى والمعتقلين، وانتشار القصص الوحشية التي يتجاوز تصديقها العقل الإنساني، قرّرنا الذهاب إلى تركيا والتنقُّل على حدودها المتاخمة مع سوريا للوقوف بعين الحقيقة المجرّدة على ما يحدث في الداخل السوري، وبالرغم من المعوّقات التي واجهناها، بدءاً من رفض الخارجية التركية لطلبنا زيارة مخيمات اللاجئين ومخيم الجيش الحر، إلى الإجراءات الأمنية المشدّدة من قِبل الأمن التركي على طول الشريط الحدودي، إلا أننا تمكنا من إجراء العديد من المقابلات مع النازحين السوريين لننقل قصص الموت وقصص الرعب من خلال لسان السوريين أنفسهم:
خاطبت السفارة التركية بالرياض عبر إرسال بريد إلكتروني شخصي بخصوص ترتيبات السماح لي بزيارة مخيمات اللاجئين وإجراء حوارات معهم، وزيارة مخيم الجيش الحر وإجراء الحوارات واللقاءات والتقارير الصحافية، إلاّ أنّ رفض السفارة التركية لم يقف حائلاً أمام رغبتنا في نقل واقع المعاناة والخوف للشعب السوري، فقررنا الذهاب إلى مطار أتاتورك في إسطنبول حيث هبطت الطائرة في تمام الساعة 8.30 صباحاً، وبدأنا بترتيبات السفر إلى الحدود الجنوبية لتركيا عبر مطار أنطاكيا بمساعدة عضو المجلس الوطني السوري والعضو المؤسس الفاعل في مجلس القبائل العربية السورية الشيخ عبد الإله الملحم، حيث قام بالتنسيق مع الثوار السوريين على الحدود التركية باستقبالي ومرافقتي في كل مكان وكل لحظة، خوفاً عمّا قد يواجهني في هذه الأوقات العصيبة، كونها الزيارة الأولى وأنّ غالبية الأتراك في تلك المناطق لا يتحدثون العربية أو الإنجليزية، وصلت مطار أنطاكيا الساعة 5 فجراً واستقبلني سائق التاكسي (أبو جمعة) واتفقنا على أن أرتاح 4 ساعات في الفندق، ومن ثم مواصلة رحلة العمل إلى مخيم الجيش الحر في الريحانية، وفي الموعد المحدد وعلى مسافة 50 دقيقة وصلنا لمخيم اللاجئين، إلاّ أنّ الضابط المسئول عن حماية المخيم رفض دخولي أو إجراء أي مقابلة صحفية، فتحايلنا عليه بادعاء العودة والتقينا بالعديد من النازحين السوريين الموجودين أمام المخيم والمصابين في المستشفيات وعدد كبير من الثوار الأحرار على الحدود السورية.
ظروف صعبة
الحياة في مخيمات اللاجئين أشبه بحياة التشرُّد ويزيد من مأساة ومعاناة تلك الحياة عامل الوقت، فكلما زاد وقت المكوث بالمخيمات زاد الألم ... هكذا يقول لسان حال «أبو وليد» ذو الخامسة والستين من عمره، يقول دخلنا الشهر 14 ونحن نعيش جماعات في خيمة ونقضي حاجاتنا في دورات مياه مشتركة، إضافة إلى أنّ الأطفال بلا مدارس أو أي نشاط تعليمي، فأيّ حياة، هذه ونحن الشعب السوري من المعروف أنه شعب في الغالب فقير لا يمتلك الإمكانيات المالية الجيدة، ومع نزوحنا إلى المخيمات تركنا كل ما لدينا خلف ظهورنا، فأصبحنا فقراء تحل علينا الزكاة والكثير منا جبرته الظروف ليمد يديه بحثاً عن أي مبلغ ليجلب به الطعام والملابس والدواء لأسرته، فنحن شعب فقير حكم علينا نظام الأسد وقبله أبوه بأن يكون الشعب فقيراً وهم ينهبون ثروات البلد، ويصرفون على شرائح معيّنة من الشعب خصوصاً الطائفة العلوية منهم، وأطفالنا الآن بلا مدارس أو حتى كتب تعليمية ليواصلوا ما تعلّموه، فجميعنا أدرنا ظهورنا للموت وأجبرنا على الهرب.
خريطة الطريق
غالبية النازحين اعتمدوا على سيقانهم في هروبهم من الجحيم سيراً على أقدامهم بما حملوه من ما خف وزنه وزاد ثمنه ..
أما أم حاتم فتحكي قصة الهروب وتقول نحن وجيراننا من سكان منطقة الرامي التابعة لمحافظة أدلب، ما كان لنا أي خيار آخر سوى شد الرحال لأي منطقة بعيدة عن عمليات الشبيحة، وكتائب الأسد التي تقوم بأي شيء مهما كان بشعاً مقابل إخماد الثورة، سأقوم بكل شيء لأحمي أُسرتي قطعنا نهر العاصر سباحة ومشينا على الأقدام لما يقارب 6 ساعات ...
وتزيد أم محمود: قتلوا اثنين من أبنائي فقررت أن أحمي ما تبقى لي من أسرتي، وأنا في آخر ربيع العمر، للأسف لم يَعُد الوطن آمناً ولم نشعر بالأمان في ظل وجود هذا الدكتاتور، فهربت من مدينة اللاذقية إلى تركيا والآن أكملت 8 أشهر في مخيم اللاجئين، أسأل الله أن يهلك هذا النظام وأن تعود سوريا وطناً للجميع.
قطع الرؤوس
محمد أحمد يبكي بحرقة شديدة، بعد أن قام شبيحة النظام بالقبض على ابنه ذي الـ 27 ربيعاً، وهو يقوم بالتظاهر السلمي غير المسلح، فقاموا بقطع رأسه وتوثيق هذا العمل الإجرامي البشع عبر أجهزة الجوال وبثها عبر تقنيات الاتصال ومواقع الإنترنت بهدف وقف الثورة، ويؤكد أنّ هذا الأمر لم يثنه عن مواصله النضال ضد عدو الشعب السوري، فقام بإرسال اثنين من إخوته لينضموا مع الثوار في حمص وحماه، منوهاً أنّ أبناءه هم ثمن الحرية والكرامة، ولن يرتاح حتى يكون شاهداً على سقوط الطاغية.. 50 عاماً مرت على سوريا سمتها القمع الأمني والطائفي. ويقول عمران إنّ أرضي في منطقة جسر الشغور سرقت بالقوة وبوضع اليد من قِبل شخص نافذ من الطائفة النصيرية، وابن خالتي قُتل في بني ياس وأخوه الأكبر قتل برصاص الشبيحة، ويؤكد أنّ كل نقطة دم لن تذهب هدراً، بل زادته إصراراً على مواصلة الثورة والنجاح في إسقاط الشبيحة.
اغتصاب الحرائر
وأضاف أنّ كل بيت سوري لديه قصة إنسانية مروعة، ويستطرد في روايته أن هناك أسره بمنزل شعبي في حمص داهمهم الشبيحة ومعهم أفراد في ميليشيات تتكلم اللغة الفارسية فقط، وقد كانت تتواصل مع شبيحة الأسد بلغة الإشارة فجمعوا 6 نساء من أسرة واحدة وقاموا باغتصابهم أمام والدهم بالتناوب وبعدها قتلوا النساء فقط وتركوا والدهم وخرجوا من المنزل، طبعاً هم بهذا الفعل يريدون أن يثيروا الخوف في نفوس الثوار والشعب السوري، وتوقفهم عن المواصلة في مبتغاهم تجاه الثورة، وأن يتم نقل تلك الحادثة بين الأسر. ونوّه إلى أنّ حوادث الاغتصاب تُعَد بالمئات على الأقل، ولكن الكل يريد أن يدفن هذه الوقائع لحساسيتها ولطبيعة المجتمع السوري العربي.
خدعة التاكسي
رجل طاعن بالسن من النازحين في مخيم تركيا منذ أثني عشر شهراً، يقول إنّ هناك الكثير من قصص الاغتصاب، وهي تتم بمشاركة عسكر فرس لا يتكلمون اللغة العربية، بل إن حديثهم مع ميليشيا الأسد تكون بلغة الإشارة، وإن أفظع القصص وقعت بين جدران منازل حمص وحماه، ومنها أن امرأة متعاونة مع شبيحة الأسد تستقل سيارة تاكسي سائقها من الشبيحة وتقوم بالتجول في جميع أنحاء حمص، وعندما يشاهدون فتاة محجبة من الطائفة السنية يقولان لها اركبي بسرعة فالشبيحة خلفنا فتركب الفتاة ظناً منها أنّ من بالتاكسي هم من الثوار، ويقومون بخطفها وإرسالها لضباط المخابرات السورية الذين يتناوبون على اغتصابها، وهذه القصة لا تمثل شيئاً من القصص المروعة، ويؤكد أنّ الاغتصاب بناءً على الهوية الطائفية.
المحجبات فقط
أحد الثوار يقول إنّ الشبيحة هم أجساد كالبغال وبلا عقول، وفي الغالب بنسبة 90% تجدهم يرتبطون بالمخابرات السورية، فإما أبوه أو جده كان أحد منسوبيها، وقال من بين اعترافات الشبيحة الذين تم القبض عليهم، أنّ التعليمات التي تلقّوها خطف الفتيات المحجبات فقط ومن الأحياء السنّية ومن ثم يقومون باغتصابهن بالتناوب، فكل وردية للعسكر تغتصب النساء الموجودات، ويضيف: في حال القبض على فتاه صغيرة وجميلة، فهي من نصيب رئيس فرع المخابرات.
5000 حالة اغتصاب
كشف محمد بيزو الأمين العام للهيئة العالمية لإغاثة الشعب السوري، إن المراقبين توقعات هم حيال أعداد المغتصبات أن تتجاوز 5000 حالة، وأوعز محمد بيزو إلى صعوبة توثيق تلك الأعداد لطبيعة خصائص المجتمع السوري العربي، فالتحرش الجنسي ناهيك عن الاغتصاب من المواضيع التي يفضل المجني عليهن الصمت على أن يبلغن أو يشتكين من هذه الجريمة، كونها وصمة عار لا تزول عبر التاريخ أو تقادم الأيام، حتى لو كانت المرأة لا ذنب لها، كذلك الكثير من الأسر تفضّل الموت على أن تنتهك أعراضها. وأضاف أن هناك الكثير من الوقائع حيال قتل وحرق النساء بعد اغتصابهن، مطالباً بتدخل مجلس الأمن لحماية المدنيين من القتل والاغتصاب والاعتداء.
حالنا كحال عشرات الآلاف من السوريين ... بهذه الكلمات تحدثت أم سامر أنها نزحت إلى تركيا خوفاً من ويلات القمع التي يمارسها الشبيحة بكل الأوقات وفي أي مكان، فهي تخشى على أبنائها من الاعتقال والتعذيب بلا سبب، وتخشى على بناتها من أن يتم اغتصابهن كحال المئات من حرائر حمص وحماه وأدلب والأرياف الأخرى شمال سوريا، وتقول بالرغم من معاناتنا اليومية في حياة التشرُّد والجوع والألم، إلا أنها أفضل وأشرف من أن نكون تحت حكم هذا الطاغية.
بترت رجلاه
محمد شاب في بداية العقد الثاني من العمر، يقول: كنت أسير على قدمي في حمص قاصد منزل قريب لي، ولم يكن لي أي دور في مقاتلة كتائب الأسد، ولم أشارك بأي مظاهرات، وفجأة أطلق شبيحة نظام الأسد قذيفة من دبابة ضربت أحد المنازل السكنية فقتلت من فيها وبترتْ قدميّ على الفور والحمد الله على كل شيء، وبالرغم من وضعي الصحي إلاّ أنني سأنضم للثوار وسأقاتل من فوق الكرسي المتحرك، وسأنتقم من هؤلاء، فقط أتمنى أن أحمل بارودة وطلقات نارية.
جثث محروقة
ماهر الأسعد شاب في بداية العقد الثالث يقول إنّ أعضاء كتائب الأسد وشبيحته هم شياطين على هيئة إنسان، بل لم تفوقوا على الشيطان نفسه، فهم لم يتركوا شيئاً لم يقوموا به .. اغتصبوا النساء خصوصاً في حمص وحماه وادلب، وقطعوا رؤوس الشباب السوري الأعزل وبعدها حرقوا جثثهم، حتى أصبحنا نشتم رائحة الشواء. ويقول إن صديقه قضي في تفتناز مع ما يقارب 300 آخرين .. وبعد لحظات من الصمت أخذ يبكي ويقول تفتناز سُوِّيت مع الأرض تماماً .. تفتناز أصبحت من التاريخ. وتدخّل نازح سوري آخر ويقول: الشبيحة هم جنود إبليس في الأرض، يقومون بمداهمة المنازل واغتصاب نسائها بعد قتل من فيها من الرجال، وأحياناً يغتصبون النساء أمام إخوانهم وأزواجهم.
مؤذن المسجد
أبو أحمد رفض أن نقوم بتصويره بأي شكل فقد تملكه الخوف، وسكن رأسه صورة التدمير والخراب، يقول خسرت شقيقي وابن عمي اللذين قتلا أثناء المظاهرات السلمية على أيدي قناصة، إلا أنني استبعدت أن يقوم القناصة بقتل قاصدي بيوت الله لأداء فريضة الصلاة، وأثناء ذهابي للمسجد لرفع أذان صلاة العصر وعلى بعد خطوات فقط من باب بيت الله تلقيت رصاصة من قناصة فاخترقت الرصاصة جسدي من الجنب الأيمن وخرجت من الجنب الأيسر فأصابت الطحال والمعدة والحمد الله على كل شيء، أسأل الله أن ينتقم لنا من هذا الطاغية وشبيحتة، وفي نهاية حديثة وبعد إلحاح سمح لنا بتصوير إصابته.
تجاوزنا الألغام
مشياً على الأقدام نهاراً كاملاً حتى عبرت منى الحدود التركية 45 كيلو متراً من حمص لمخيم اللاجئين .. تقول منى حمص تحولت لمدينة الأشباح، فحمص ليست حمص التي نشأنا وترعرعنا بها، أشعر بأن الموت يحوم حولي في كل لحظة فقررت الهرب مع زوجي وأطفالي .. وفي لحظة صمت أجهشت منى بالبكاء، وقالت أمامي وأمام زوجي قُتل أحد أبنائي على أثر وقوفه فوق لغم تم زرعه من قِبل الشبيحه، وتزيد ان الأسد الطاغية لا يعترف بأي حوار أو منطق وما فعله بنا لم يفعله اليهود بالفلسطينيين.