من أبشع الصفات، إن لم تكن أبشعها على الإطلاق، هي تلك التي قد يُبتلى بها أحد من الناس، صفة “المِنّة” لأن الإنسان المنان يظل مهما فعل مع الشخص الآخر من تصرفات رائعة إلا أنه يُفسدها تماما حينما يكسر الشخص المقابل بالمِنّة! قد يكون بإمكاننا تدارك هذا الشخص بتجاهله أو الابتعاد عنه والتوقف عن قبول أي مبادرة منه، إلا أن الأمر يزداد تعقيدا إن كانت هذه الصفة فيمن نحب، هذا ما ذكرته لي أحد قارئاتي التي تُحب زوجها وتصونه وتريد أن تُقدم له كل شيء لأجل أن ترتسم على وجهه الابتسامة، ويشعر بالسعادة، وما تقدمه مهما تجاوز الواجبات الزوجية فإنها تراه ضمن الواجبات، لأن إسعاد الطرف الآخر داخل محيط الحياة الزوجية هو بالنهاية واجب لا مِنّة فيه. في المقابل تشكو من أن الواجبات الزوجية التي يقوم بها زوجها على أكمل وجه، ويزيد عليها بالمفاجآت التي تُدخل على زوجته البهجة، أنه في حال حصل بينهما أدنى خلاف فإنه لا يتوانى عن تذكيرها بما قدم لها، بما في ذلك الواجبات -الأساسية- ليتركها في وضع تنسى معه كل جماليات حياتهما، لتبقى مع قلبها المكسور من زوجها المنان! وبرغم أن هذه التصرفات يقوم بها في حالة غضب -كما تقول- إلا أن أمورا كثيرة يُمكن للإنسان -خصوصا في حالة الحب- أن ينساها، إلا محاصرته بضباب المِنّة الذي سيستمر يتنفس سمومه ومن الصعب زواله!
ديننا الإسلامي لم يترك من الأمور صغيرها ولا كبيرها إلا أعطانا فيه درسًا، وأذكر في هذا السياق حديث رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- فيما روي عن أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- (لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل) وجعل صفة المِنة المذمومة تتوسط الخداع والبخل، وفي منع الجنة تهويل في توبيخه عليه السلام لمن تم ابتلاؤهم بتلك الصفات، وحينما أقول “ابتلاء” فإنني أقصد هنا “المرض” فأنا لا أشك مطلقا في أن تلك الصفة مرض، وعلى الأشخاص المحبين لمن أُبتلي بهذا المرض أن يواجهوه ويساعدوه على العلاج المناسب، لأن الاعتراف بالمرض السلوكي ليس عيبا، إنما العيب هو الاستمرار بتلك الصفة المذمومة التي قد يفيق صاحبها فلا يجد أحدا حوله.
العلاقة الزوجية هي من أنبل العلاقات بين البشر، وكون أطرافها يتعاملون سويا بحب وعطاء لأجل هذا الحب، فإن هذا هو الأمر الطبيعي والذي ليس فيه مِنّة! وصاحب هذه الصفة لو أدرك كيف تقلل منه ومن عطائه وتهز صورته أمام زوجته التي تراه أكمل الرجال، لما أقدم على هذا السلوك المرفوض دينيا واجتماعيا.
هناك أشياء في حياتنا نعيش سنوات طويلة لأجل أن نبنيها، ونستمتع في بناء حياتنا بروابطها وعلاقاتها وكل ما يحيط بنا، إلا أن بعض البشر للأسف لا يُدركون أن كلمة واحدة تُقال قد تهدم كل ما تم بناؤه على مدى تلك السنوات! العلاقة الزوجية برغم ما فيها من تنازلات وما يعتريها من مواقف جميلة أو سلبية، إلا أن هناك صفات قد يكون من الصعب على الإنسان الذي كرّمه الخالق -عز وجل- أن يتجاوزها، أو يتنازل عنها، لأن الكرامة هي الصفة الإنسانية المشتركة بين البشر، كل البشر بكافة أشكالهم وتنوعاتهم وأديانهم، وحينما تقول امرأة: “زوجي منّان” فإنها إما أن تختار أن تستمر في حياة هامشية بلا كرامة، أو أنها ستُقدم كرامتها على حبها وسعادتها، وكل شيء.
www.salmogren.net