أن تأتي ميدالية اليونسكو الذهبية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فهذا دليل على أن دعوته في تعزيز ثقافة الحوار والسلام بين أتباع الديانات، والمذاهب المختلفة، والتعايش بين الحضارات والثقافات المتعددة،
المنطلقة من الشريعة الإسلامية، كان لها أثرها البارز في العالم، وخصوصاً ونحن نعيش في عالم مضطرب بالفتن والمحن.
لا أعتقد أن هناك من يعترض على موضوع الحوار بين أتباع الأديان والثقافات بوصفه فكرة عامة؛ فنحن في عالم واسع، ومتنوع المستويات، وفكرة كهذه ستشمل المفهوم، وتناول الطرح، ومن ثم الأهداف؛ من أجل أن نخرج من تلك التجربة بكم هائل من الدروس المستفادة، لعل من أبرزها: خلق مناخ يحفّه فَهْم أرحب للآخر؛ فالحوار فضيلة إسلامية، وتعدد الملل والحضارات سُنّة من سنن الله، التي لا تبديل لها ولا تحويل.
عندما وافق مجلس الشورى في جلسته السابعة على مشروع اتفاقية تأسيس “مركز الملك عبد الله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات”، التي وقعتها المملكة العربية السعودية ومملكة إسبانيا والجمهورية النمساوية، والتي نصت على أن يكون مقر المركز في العاصمة النمساوية “فيينا”، كان ذلك امتداداً لمبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - في الحوار بين أتباع الأديان السماوية والثقافات والحضارات، وجهوده - أيده الله - في إشاعة السلام، والتعايش السلمي بين الشعوب، وصولاً إلى ترسيخ السلام، والأمن الدوليين، وانطلاقاً من المؤتمر العالمي للحوار، الذي عقد في العاصمة الإسبانية “مدريد”، ومؤتمر الأمم المتحدة عالي المستوى للحوار، الذي عقد في مقر المنظمة الدولية بنيويورك، ودعماً من مجلس الشورى لهذه المبادرات.
كما كان إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي فرصة لاستثمار النقاط المشتركة مع الآخرين استثماراً إيجابياً، وتجسير الفجوة مع الاتجاهات الأخرى، بشرط الالتزام بالثوابت، والقطعيات الشرعية، والتيسير بضوابطه الشرعية، بما يحقق المصلحة العامة، ويدرأ المفسدة الكبرى، مع الاهتمام بالشأن العام، والالتزام بآداب الحوار.
بل ما زلت أذكر فعاليات منتدى رودس العالمي 2011م، الذي عُقد في اليونان، بعنوان: “مستقبل وهوية الحضارات”، حيث أكد الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، الأستاذ فيصل بن معمر، أن “التعريف بمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (تحت التأسيس)، يأتي ضمن أدوار المنظمات الأهلية والدولية ذات العلاقة بالحوار الحضاري تعزيزًا لمبادئ الحوار بين الحضارات والثقافات، وترسيخاً لأسس التعايش السلمي بين الشعوب، والأمم”.
إن المساهمة في أن يصبح المركز مؤسسة دولية، ذات طابع قانوني دولي خاص بها، ستجعله قادراً على استضافة فعاليات حوارية بين مختلف المشاركين، وستمكننا من الإسهام في النقاش العالمي الدائر حول هذه المسائل، كالسلام والأمن والازدهار، وتحقيق العدالة والتنمية المستدامة، واستكشاف القوائم المشتركة بين الناس، فمثل هذه القضايا مهمة وغيرها كثير مما ينبغي الحرص عليه؛ إذ التكامل بين الحضارات يثبته دائماً حقائق التطور الإنسانية.
استعجال النتائج منهج غير علمي؛ لذا فإن دعم الحوار بين أتباع الأديان السماوية، والحوار بين الثقافات المتعددة، وفق أصول حوارية سليمة، تحقق النتائج الهادفة والمرجوة بشكل موضوعي، كفيل - بإذن الله - بطي المساحات الفاصلة عن الآخر، ولاسيما أن العالم اليوم يشهد انحداراً للقيم الأخلاقية، وانتشاراً للفقر والجريمة، والإرهاب بأشكاله المتعددة، كما يشهد - مع الأسف - مناخاً متوتراً ومحتقناً بين الدول والشعوب.
إن الحوار المطلوب هو رفض الصراع، والتقاتل بين ما يسمى بالحضارات، وتجميع العمل؛ من أجل تحقيق السلام العالمي، والتسلح بقيم التسامح، وسعة الأفق، والموضوعية، وتأكيد أن الواجبات أساس تقرير الحقوق؛ لإقرار القيم المشتركة، والتضامن في سبيل الإنسانية، وهو ما يجعل الحوار الحقيقي قائماً بين أطراف متعددة، على أسس راسخة؛ لتحقيق المزيد من التناغم.
drsasq@gmail.com