يقول المثل الشعبي (ما تسهر حُرَّة وبالبيت مُرَّة) والمقصود سهر الوجع والألم. ونبات المرّ عبارة عن خليط من صمغ وزيت طيار تفرزه سيقان نبات البيلسان. ومعروف أن المرّ يمنع التعفن، واستخدم قديما لحفظ الجثث عن التغير والنتن. ولأنه مطهر قوي، وقاتل لكثير من أنواع البكتريا فهو يعالج الجروح المتعفنة أيضا.
ويستخدم المرّ في بلادنا على نطاق واسع، لدرجة استعماله لعلاج أمراض ربما لا يجدي معها بل قد يتسبب بانتكاسة ومضاعفة لها. ومن شدة اليقين بجدواه في معالجة جميع الأمراض لا يكاد يصدق أحد بمضاره! وتضرب وزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء صفحا عن توعية الناس وتوجيههم نحو مضار بعض النباتات الدوائية، والمرّ على وجه التحديد.
وقد سعدت بالاطلاع على تقرير استشاري جراحة الأوعية الدموية في جامعة الملك عبدالعزيز البروفيسور حسن الزهراني، وتأكيده على أن أكثر المشاكل التي يواجهها الأطباء المعالجون للقدم السكرية (الغرغرينا) هو ما يتناقله البعض من معلومات غير علمية، كاستخدام بعض الوصفات الشعبية التي تؤدي إلى تدهور حالة المريض، كالمرة مثلا. ويأتي استعمالها نتيجة عما لاحظه أهل البادية بعد التداوي بالمر لسنوات طويلة أنه يساعد على تنشيف الجروح بشكل سريع، وتجفيف المكان. وقد يكون استعمالهم له في تجفيف الجروح مجديا ولكنه يتسبب بكارثة وإعاقة لمرضى السكري لمساهمته في تضييق الأوعية الدموية ونقص بتروية الدم إلى الأطراف، وتصلب شرايينها وبقية الأوعية الدموية المغذية للقلب أو الدماغ، إضافة إلى حدوث تشوهات في القدمين تسهم في تكرر حدوث القروح وتعطل التئام الجروح.
وحين يضع مريض السكري المرّ على جرح قدمه يرى تسارعا في جفافه، إلا أنه يؤدي للغرغرينا التي تبدأ بالظهور والتمدد. وهو ما ينبغي التنبيه عليه بل والتحذير منه حيث تتحول الجروح إلى الغرغرينا وبالتالي فقدان القدم نتيجة لقلة الوعي بأهمية التحكم في مستويات السكر في الدم لدى المصابين به، والعمد لعلاج الجراح بتنشيفها بالمرّة فحسب دون النظر لما تسببه من أضرار.
والمؤسف ما ذكره البروفيسور الزهراني أن واحدا من كل خمسة سعوديين يعد مريضا بالسكري! وتزداد نسب الإصابة لتتجاوز واحداً من ثلاثة مع تقدم العمر طبقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، ويتعرض ستة من كل ألف مريض بالسكري لتهديدٍ مستقبلي بفقد الأطراف بسبب التداوي بطرق بدائية غير مأمونة الجوانب.
ولأن الأمر خطير؛ فلا بد أن ينشط الجميع لتحمل مسؤولية توعية الأمة وإزالة الغشاوة عن قلوب ألفت الموروث الشعبي من معتقدات وأمثال ترسخت في العقول دون تمحيصها وإعادة النظر والفكر فيها والجد في البحث والدراسة. فقد استجدت أمراض لم تكن معروفة أو لم نكن على دراية كافية بها، وما يصلح في زمن مضى قد لا يناسب أزماناً قادمة.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny