بعيداً عن الدخول في تفاصيل النظريات التـي فسرت وتفسر الطبيعة الإنسانية وتوغل في تلافيف المكنون الإنساني وأنماط التأثير والتأثر والنتائج النفسية لعلاقات المواقف في الحياة اليومية وتراكماتها، بعيداً عن ذلك كله جال في خاطري سؤال: هل كل إنسان معتز بماضيه؟ منتمي إلى حاضره ؟ يحلم بغده ؟ وهل يتساوى البشر في درجة هذا الاعتزاز وذاك الانتماء وتلكم الحلم ؟ أعتقد أننا لو طرحنا ذلك التساؤل كاستكشاف أو استطلاع للسير الذاتية ووضع الفرد نفسه في محك الإجابة المكتوبة عن مثل هذه التساؤلات لتوقف طويلاً وفكر كثيراً وتردد أكثر وأطول: كيف يجيب وعلى ماذا يحتكم؟ وعلى ماذا يستند في تقييم تجربته؟ على العقل أم العاطفة؟ على المنطق والمقارنة بين المسارات والخيارات أم على الرضا وقناعة الوجدان.
إذا كنا نسلم بأن التفكير والعقل هو المسؤول عن الخيارات والمفاضلة والإنجاز فإن العاطفة تبقى الشريك الفاعل في توجيه الحركة وشحذ الهمة وأساس الدافع إلى الأمام وحب العمل ورصد الطاقة الذي يستعذب الجد والجهد ومشقاته، قد يظن البعض أن العاطفة ترف إنساني أو رفاهية بشرية لا يمتلكها ولا يستمتع بحيويتها وتجددها ضعيف أو كادح أو فقير، ولكن الواقع يشهد بغير ذلك إذ إن نصيب العاطفة في نظر كل فرد إلى ماضيه، وفي رضاه بالحاضر وعلاقاته، وكذلك في تحديد مستقبله ليست قليلة على الإطلاق بل إن الإنسان يقوم بتوظيف عقله واستثمار جهوده واستغلال إمكاناته من أجل الوصول إلى إرضاء عواطفه وتلك التركيبة الإنسانية بتعقيداتها والعلاقات البشرية بتداخلاتها وتشابكاتها تجعل من الوجدان سياجاً يحيط بالإنسان، ويوفر له الإطار الذي في ضوئه ومن خلاله يمكن فهم موقفه وموقف الآخرين وتحليل العلاقات وإدراك الصورة الكلية وتفسيرها بعيداً عن التوتر أو الشك أو الظن أو القلق أو أي خبرة شعورية مخزونة، فكم يمر على الإنسان من مواقف بنيت على تفسيرات مسبقة وسارت بالأمور في منحى يكتشف أطرافه فيما بعد أنهم بعيدون عن الموضوعية، وهذا ما ينتج سيطرة نوع ما من أنواع التفكير على إنسان ما كالتفكير التآمري أو يغلب الذاتية والشخصية ويجعل نظرته مختزلة في زاوية واحدة من زوايا الموضوع فيحجب عنه الرؤية المتكاملة التي توفر له القدر اللازم من الموضوعية مما يعيد طرح السؤال حول العقل والعاطفة والشراكة بينهما في فعل الإنسان وحياته وأقواله وسلوكه وتصرفاته، وحتى علاقاته على مختلف مستويات حياته. فنجد الإنسان الإيجابي في رؤيته ومشاعره لديه كم من الرضا عما تحقق في ماضيه، ويمتلك من القناعة ما يشعره بالسعادة والشكر لله عز وجل، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن حاضر الشخص والتفاعل معه وآداء مهامه وأدواره بنجاح رهن بالقدرة على الربط بين الإمكانيات العقلية والمؤهلات الفكرية والقدرات الذاتية والضوابط الأخلاقية التي تمكنه من الحياة والعمل وفقاً لمعايير موضوعية تخضع لتوصيف طبيعة المهنة وأبعاد المهمة وحدودها وتبتعد به عن منطق الأهواء وتنأى به عن الدوافع الشخصية، وتلزمه بالهدف العام دون ما عداه، فهنيئاً لمن امتلك شعوراً صافياً، وقلباً سمحاً، وعاطفة وجدانية جياشة أنتجت رضا يحكم الخالق يقيناً بحكمته
ودمتم بخير.. وإلى لقاء والسلام.